حكومات "الربيع العربي" في الإمتحان
وثمة ما هو أسوأ عند الجماعات التي تدعو لإسلام ليبرالي، من نمط حكومة عدنان مندريس، سلف إردوغان، التي أطلقت حلف بغداد كذراع عسكرية لحلف الأطلسي الجنوبي، وزرعت تركيا بالقواعد الأميركية، وأشهرها قاعدة إنجرليك، وشرعت بتصفية القطاع العام الذي شكّل القاعدة الإقتصادية، الإجتماعية لرأسمالية الدولة الأتاتوركية.
ليس صحيحاً أن ربيع الفوضى لم يُختبر على الصعيد الحكومي العربي، وأنه سقط فجأه قبل أن يتذوّق الناس شيئاً من بستانه، فلقد قدم مثالين، إسلاموي وبرتقالي.
الأول، بعد تواطؤ جنرالات أميركا في مصر مع الإسلامويين وتزوير الإنتخابات لصالح مرسي، والثاني عبر حكومة الرزاز في الأردن، والتي بدأت بالترنّح مع عودة الإحتجاجات المطلبية إلى الشارع:
1- في ما يخصّ جماعات الإسلام الأميركي، معروف برنامجها الذي يتقاطع مع النيوليبرالية في تفكيك القطاع العام وإشاعة الخصخصة والعداء للإشتراكية والآداب والفنون، ونزعات الإستعداد للتعايش مع العدو الصهيوني باستدراج وتوظيف صلح الرملة كهدنة طويلة، وفّرت حينها للحملات الصليبية وضع يدها على كامل الساحل السوري، مقابل استقرار يؤمّن لصلاح الدين توريث المنطقة لإخوته وأولاده بعد أن حوّلها إلى إقطاعات على الطريقة الرومانية والجرمانية.
ومعروف كذلك، وبالصوت والصورة، أنه ما من زعيم من جماعات الإسلام الأميركي لم يغط نفسه قبل استلام الحكم أو المشاركة فيه، بلقاءات مع الايباك اليهودي الأميركي من الجماعة المصرية، إلى أردوغان إلى الغنوشي.
وثمة ما هو أسوأ عند الجماعات التي تدعو لإسلام ليبرالي، من نمط حكومة عدنان مندريس، سلف إردوغان، التي أطلقت حلف بغداد كذراع عسكرية لحلف الأطلسي الجنوبي، وزرعت تركيا بالقواعد الأميركية، وأشهرها قاعدة إنجرليك، وشرعت بتصفية القطاع العام الذي شكّل القاعدة الإقتصادية، الإجتماعية لرأسمالية الدولة الأتاتوركية.
ومن التجارب الأخرى لجماعات الإسلام الأميركي، تجربة سوهارتو في أندونيسيا الذي استهلّ حكمه (الليبرالي) المُناهض للشمولية بقتل مليون شخص فقط ، ووسّع من دائرة الفقر إلى مستوى لامثيل له، وجعل أندونيسيا رهينة للسفارة الأميركية والفساد والمافيا.
2- قبل أن يُكلّف الدكتور عمر الرزاز تشكيل الحكومة الأردنية الحالية، التقت جماعات تقدّم نفسها كأوساط ليبرالية مع تيارات أخرى، وشكّلت ما يعرف بالتحالف المدني على غرار ما شاع في لبنان وتونس.
وكان الرزاز وعدد من وزرائه من المقرّبين من هذا التحالف، بل أن العديد منهم كانوا قد شاركوا في انتفاضة 30 أيار التي أطاحت بحكومة الملقي، وراحوا يتحدّثون في صالوناتهم عن أن حكومة الرزاز تمثل التحالف المدني، ورفضوا الإنخراط في الإحتجاجات الشعببية الدورية المُتصاعدة ضدّ هذه الحكومة.
ومن مُعطيات الحال السابقة في مجملها، أن الرزاز نفسه ينتمي فعلاً إلى (المناخات الليبرالية) من حيث سنوات عمله السابقة مع البنك وصندوق النقد الدولي، ومن حيث دوره السابق في هيئات الخصخصة وموقعه اللاحق في أحد البنوك الأردنية.
كما تعرف حكومة الرزاز في الشارع بأنها حكومة البنوك، ويقصد بذلك البنك الأهلي والبنك العربي والبنك وصندوق النقد الدوليين.
وبالمثل، فإن العديد من المقرّبين من التحالف المدني، سبق وعملوا مع هذه الهيئات المالية والنقدية، مثل مروان المعشر، الذي عمل أيضاً سفيراً لدى العدو الصهيوني.
وكما في معظم بلدان التحالف المدني العربية وغير العربية، المدعوم من ائتلاف دولي متناثر، من جماعة الملياردير اليهودي سوروس، إلى كارنجي وراند ونيد والأوساط المقرّبة من إجماع واشنطن للخصخصة وحرية التجارة، فإن التحالف المدني في الأردن قبل وبعد تصدّعه بين تيارين لا يدقّق في المفاهيم الدارِجة المنسوبة إلى القاموس الليبرالي نفسه.
ومن ذلك، استخدامه المتكرّر للدولة المدنية والمواطنة، باعتبارهما العنوان الأساس لمدرسة العقد الإجتماعي الحديث، التي ترافقت مع الثورة البرجوازية في أوروبا.
فالفيلسوف الأول لهذا العقد ومفاهيمه، وهو الإنكليزي، جون لوك، لم يتحدّث مرة واحدة عن الدولة المدنية بل عن حكم مدني، فما من دولة دينية، وكل ما يُساق حول الخلافة الإسلامية والإمبراطورية الجرمانية باعتبارهما دولاً دينية كلام يتناقض مع جوهر الدولة نفسها، والتي قد تكون إقطاعية وبرجوازية.
أما المواطنة، فليست تعبيراً حقوقياً يمكن لنشطاء حقوق الإنسان، استيراده واستهلاكه كيفما اتفق، بل واقعة إجتماعية تاريخية مرتبطة بتحوّل علاقات الإنتاج الرأسمالية وإنتاجها بنى اجتماعية جديدة، تتجاوز المجاميع ما قبل الرأسمالية (عشائر وطوائف وإثنيات) إلى المجتمعات المدنية بوصفها مجتمعات طبقية ناجزة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث خارج الشروط الموضوعية لقيام الدولة الحديثة، بما هي دولة قومية.
إلى ذلك، وبالعودة إلى حكومة الرزاز، فمع مرور كل هذه الأشهر على تشكيلها وتسويقها كاستجابة لرغبة لربيع الأردنيين في عقد اجتماعي جديد، لم تتقدّم خطوة واحدة تختلف عن سابقاتها، لا على صعيد الحريات ومبدأ تداول السلطة، ولا على الصعيد الإقتصادي الإجتماعي، فضلاً عن إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع العدو الصهيوني وعوده سفيره إلى عمان، واستمرار التدخّلات الأميركية في الشأن الداخلي.
فقد تفاقمت الأزمة الإقتصادية وتدهورت ظروف الطبقات الإجتماعية ولم يعتقل أيّ من الفاسدين الكبار، وعاد الأردن إلى مرحلة التوقيفات الإدارية للناشطين السياسيين، وزادت الحكومة على ذلك بإعداد أخطر مشروع مقيّد لحرية التعبير هو مشروع قانون الجرائم الإلكترونية.
ولم تراجع الحكومة أياً من الخطوات والسياسات، التي أدخلت الأردن في مرحلة هدم القطاع العام وتحضير الأردن بنيوياً لصفقة القرن.
كما أدرك الشارع الأردني، أن بديل (المحافظين) والحرس البيروقراطي والولاية الغائبة للحكومة، ليس الخطاب الليبرالي الذي هو أداة أخرى من أدوات الهدم وليس بناء دولة حديثة بعقد اجتماعي، فالبديل الحقيقي للطرفين هو استعادة خطاب التحرّر الوطني الذي يربط بين بناء دولة قائمة على العدالة والإستقلال وفكّ التبعية، وبين استحقاقات الصراع العربي الصهيوني وحماية الأردن من التهديدات الصهيونية بأشكالها المختلفة.
وبالمُحصّلة، تلكم يا نشطاء الربيع العربي أمثلة على الحكومات التي تريدونها، حكومات بإدارة الإسلام الأميركي، وأخرى بنكهة البرتقال.