مُعادلة الكرد.. بين الواقع السوري والطموحات الأميركية

إلا أن بعض الكرد السوريين ممَن أرادوا أن يُشكَّلوا لأنفسهم كياناً خاصاً على شاكِلة كردستان العراق، والذي تسبَّبت واشنطن وإسرائيل في انفصاله، مُستغلّة حرب الخليج الأولى، والانقسام الذي حصل أثناءها، وما تبعه من تفكّكٍ للعراق وتسهيل غزوه، وعليه وجدت واشنطن في بعض الكرد وتوجّهاتهم السياسية الانفصالية ضالّتها، بُغية تحقيق أهدافها التي خسرتها عبر أدواتها الإرهابية، فقدَّمت لهم الدعم وعزَّزت لديهم فكرة الانفصال عن الجسد السوري، مُباركةً لهم تعاونهم في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في الشمال السوري

مع اتضاح معالِم الحرب الكونية على سوريا، ومنذ تشكيل التحالف الثلاثي السوري والروسي والإيراني، عمدت الولايات المتحدة إلى فرض نفسها في الساحة السورية، على اعتبار أن أدواتها الإرهابية التي زرعتها في مناطق شتّى من سوريا، لم تستطع تحقيق المُراد من المُخطّط الصهيو-أميركي والغربي، خاصة مع استعادة الجيش السوري لمناطق مفصلية ضمن الجغرافية السورية، والتي أبعدت تداعيات الحرب الإرهابية ومنعتها من إسقاط دمشق، فكان حرّياً على الولايات المتحدة اتباع نهج سياسي عسكري آخر، عبر تحالفات جديدة تُحقّق لها الغاية الأساسية من دخول المُعترك السوري، ولكن هذه المرة مع مُكوّن يُعتَبر جزءاً من الشعب السوري، هذا الجزء من كرد سوريا لم يكن في يومٍ من الأيام مشكلة بالنسبة إلى القيادة السورية، بل على العكس تماماً، فالكرد يُعتَبرون من الشعب السوري، وينخرطون في المجتمع ككل، ويمارسون كافة حقوقهم في الانتخابات والعمل والسلطة، ويعامَلون كأيّ مواطن سوري.

إلا أن بعض الكرد السوريين ممَن أرادوا أن يُشكَّلوا لأنفسهم كياناً خاصاً على شاكِلة كردستان العراق، والذي تسبَّبت واشنطن وإسرائيل في انفصاله، مُستغلّة حرب الخليج الأولى، والانقسام الذي حصل أثناءها، وما تبعه من تفكّكٍ للعراق وتسهيل غزوه، وعليه وجدت واشنطن في بعض الكرد وتوجّهاتهم السياسية الانفصالية ضالّتها، بُغية تحقيق أهدافها التي خسرتها عبر أدواتها الإرهابية، فقدَّمت لهم الدعم وعزَّزت لديهم فكرة الانفصال عن الجسد السوري، مُباركةً لهم تعاونهم في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي في الشمال السوري.

ملفات كثيرة استغلّتها الولايات المتحدة ضمن سياق المسارات السياسية والعسكرية في الحرب على سوريا، نُوضحها في النقاط التالية:

* استغلال الحرب التي تتعرَّض لها سوريا وتعزيز التحالف بالمُكوِّن الكردي.

* تصوير الوضع في سوريا لدى المجتمع الدولي على أنه بات مُفكَّكاً، وأن الوضع بالنسبة إلى الكرد هو الوقت الأنسب لتحقيق حلم الإنفصال.

* استغلّت واشنطن الوجود التركي على الأراضي السورية، لتثبيت الخوف لدى الكرد من إمكانية تعرّضهم لهجومٍ تركي يُهدِّد أمنهم ووجودهم.

* استطاعت واشنطن عبر أساليب الدعم اللوجستي والعسكري والمادي من إرضاخ قوات "قسد" وتجهيزها لأيّ خطر قد يعترضها.

* استكمالاً لخطوات مُحاربة تنظيم داعش ومشاركة الفصائل الكردية المُتحالِفة مع واشنطن في الحرب ضدّ داعش، وما خلّفته من اعتقالاتٍ لأفرادٍ من التنظيم الإرهابي لدى القوات الكردية، هذا الأمر أعطى زُخماً إضافياً من أجل تقديم الدعم للكرد، على أُسُس مُحاربة الإرهاب، فقامت كل من فرنسا وبريطانيا بتقديم الدعم للكرد، وطرح أنفسهم كبديلٍ داعمٍ عقب الأنباء التي تحدَّثت عن انسحاب أميركي مًحتَمل من سوريا، هذا الأمر استغلّته واشنطن لجهة تعقيدات الحل النهائي في سوريا.

* التواجد الفعَّال لروسيا على الأرض السورية، شكَّل تحدّياً للولايات المتحدة ما جعلها تجد لها حليفاً يُعتبر جزءاً من الشعب السوري، من أجل أن تضمن واشنطن مقعداً ضمن مناورات الحل السياسي.

* نجاح روسيا في استمالة تركيا إلى صفها في الحرب على سوريا، وجرّها إلى منصّة أستانا، عزَّز لدى واشنطن فكرة خسارتها في الحرب على سوريا، لذلك عمدت واشنطن إلى استغلال الورقة الكردية والتلويح بها ضد تركيا.

* إدراك واشنطن وخاصة بعد انتصارات الجيش السوري في الجنوب وحلب، أن المُخطّط لن يكتمل في سوريا، لذلك وجدت واشنطن في الكرد وسيلة ضغط على الدولة السورية، لتفريغ أيّ نصر سوري من محتواه السياسي.

*التواجد الإيراني في سوريا، وتعاظُم قوّة محور المقاومة وانتصاراته التي شكَّلت ضربة لإسرائيل، أخّرت من تحقيق دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وعليه حاولت واشنطن وضع العصيّ في عجلات الحلّ السياسي السوري عبر ذريعة التواجد الإيراني في سوريا.

* الإيحاء بأن واشنطن هي اليد التي ستحقِّق الديمقراطية للكرد السوريين، عبر الإيهام بحقّهم في تكوين فدرالية كردية، وأن النفط والموارد الطبيعية من حقّهم وحدهم، مُستغلّة فكرة الاستقلال الاقتصادي لهم.

* اللعب الأميركي على فكرة الانسحاب من سوريا وبقاء 2000 جندي لتقديم الدعم والتدريب لقوات "قسد"، وبذلك تضمن واشنطن مُعطيات التأثير في الحل السوري.

*الدعم المالي الذي منحته واشنطن لقوات "قسد" بما يقارب 300 مليون دولار، وكذلك الدعم المُقدَّم لهم عبر البنتاغون، في محاولةٍ لإرضائهم وشدّهم إلى الصف الأميركي، لتنفيذ الأجندة الأميركية في سوريا.

* إبقاء تركيا تحت الجناح الأميركي لاستكمال المفاوضات بينهم في الشمال السوري، عبر الضغط على تركيا في المسألة الكردية لتنفيذ أجندات أميركية خاصة.

* تعويض خسارة الجنوب السوري بالنسبة لإسرائيل،  وتقديم منطقة شرق الفرات بمثابة جائزة ترضية اقتصادية، لتحقيق مكاسب مادية خاصة، كما تمّ مع جمعية "عماليا" وسمسارها الصهيوني موتي كاهانا بموافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.

في المُحصّلة، واشنطن تُكمِل استراتيجيتها التفكيكية في المنطقة، والتي بدأتها في العراق منذ حرب الخليج الثانية، لتمزيق وتفتيت الدول العربية إلى كيانات، مُستغلّة الأقليات في المجتمعات العربية، وبالتالي سعت واشنطن إلى تكريس سياستها التقسيمية في سوريا، عبر استغلال الطموحات الكردية، واللعب على المُتناقضات السياسية والعسكرية في الشمال السوري، من هنا أصبحت مُعادلة الكرد تُراوح بين الواقع السوري والطموحات الأميركية.