إسرائيل ما بعد ورشة البحرين... إلى أين؟

في محيط التجاذبات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، كانت الحرب على سوريا من أهمّ القضايا التي كشفت ملفات تعتبر الأسخن في المنطقة العربية، لتكون مخرجاتها منطلقة من الغرب وجميعها تصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي.

تحولات جذرية متعددة برزت سياسياً على الأقل، وتبلورت عبر اجتماعات ومؤتمرات وقمم صبَّت اهتمامها بالأمن الإسرائيلي الذي وُضِعَ له البند الأول في الأهمية، وذلك وفق أُسُس مدروسة، لتظهر على الساحة العالمية كحقٍ مشروعٍ لهذا الكيان الصهيوني، وكان الشاهد الأكبر لها ورشة البحرين التي جعلت جميع ما رُسِمَ من مُخطّطات تدخل حيِّذ التنفيذ؛ منها الذي أُخِذَ عبر قرارات مُفاجئة من واشنطن تلبية لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو بتقدمة الجولان السوري المحتل بتوقيع ترامبي، أو بتنفيذ بعض من بنود صفقة القرن من تطبيع عربي واضح من بعض الدول العربية كسلطنة عمان والسعودية والإمارات، وطبعاً مصر والأردن لهما علاقات سابقة بمُعاهدة سلام.

إسرائيل وأميركا ماضيتان في نهجهما العدواني في منطقة الشرق الأوسط، لتوسيع رقعة إسرائيل، فإذا ما نظرنا إلى الحقائق على الأرض نلاحظ مقدرة إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة على التوصّل إلى شراكات سياسية وعسكرية واقتصادية مع محيطها الإقليمي، مُستغلَّة ثغرات الضعف الداخلي السياسي والعسكري والاقتصادي للحُكّام إداريا.

هل حقَّقت إسرائيل مُبتغاها؟

المُراقِب لمجريات الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة يستطيع القول إن إسرائيل استطاعت النجاح في كثيرٍ من المشاهد، كرؤى لتحرّكات سياسية ودبلوماسيةٍ، من خلال زيارات مسؤولين إسرائيليين إلى الإمارات وسلطنة عُمان والبحرين، التي قبلت بأن تكون أرضها مقرّاً لكشف البنود الاقتصادية لصفقة القرن، إلا أنه بالقراءة الصحيحة للمشاهد المتتابعة في الأحداث السياسية، نجد أن ما يتم توثيقه لصالح إسرائيل عبر رؤساء هذه الدول، يقابله التنديد من شعوبها في إجماع عربي، على أن ما يتم من سياسات من قِبَل حُكّام هذه الدول، يُشكّل طعنة للشعوب العربية بأكملها، فالقضية الفلسطينية لم تغب عن همّ الشارع العربي يوماً، وما حدث في البحرين من تظاهرات مُندِّدة بالورشة، والهجوم على سفارة البحرين في العراق، ورَفْع أعلام فلسطين في سوريا ولبنان والمغرب وتونس واليمن والجزائر، بالتزامُن مع انعقاد ورشة المنامة، يُؤكِّد تماماً أن الاستثمار لقضايا الشعب العربي بهذا الشكل الدرامي، عبر قرارات سياسية مفروضة، فهو أمر مرفوض جُملةً وتفصيلاً.
إسرائيل تُدرِك تماماً أن المحيط العربي وإن كان ظاهرياً عبر بعض الرؤساء العرب يستجيب لمطالبها عبر التطبيع المحدود، لكنها في الوقت نفسه تُشاهِد رفض الشارع العربي لسياساتها المُتّبعة في المنطقة، ولذلك تحاول إرضاء أكبر عدد من الدول العربية عبر حُكّامها، ليتمّ فَرْض الوجود الإسرائيلي القَسْري، ولكن عبر استعمال القوّة الناعِمة بدل القوّة الصُلبة، ضمن سياسيات تُوصِل من خلالها استراتيجيتها المُعتمدة على تأمين العُمق الاستراتيجي.

إسرائيل ومخرجات ورشة البحرين

عند إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن صفقة القرن للمرة الأولى، لم يُعط أية ملامح عنها سوى إطلاقها عبر صَهْره جاريد كوشنر، ليبدو لاحقاً أن من أهم بنودها الملف الاقتصادي، والذي اعتبره ترامب الملف الأهم باعتباره نَفَق العبور للقبول بالملف السياسي، مُستغّلاً الوضع في غزَّة والضفة الغربية، وإن كانت مخرجات ورشة البحرين اقتصرت على الملف الاقتصادي بتخصيص 50 مليار دولار، فهي رشوة للقبول بالحل السياسي الذي يفترضه ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
صفقة القرن تُعتَبر لدى الفلسطينيين تسونامي سياسي ودبلوماسي قد يُفجِّر الأوضاع في المنطقة، باعتبارها عقداً مُزيّفاً يُراد به تقويض القضية الفلسطينية ومحوها من التداول، عبر فرض وجوديّة إسرائيل كدولةٍ في بند ما يُسمَّى "حل الدولتين"، وفي تصريحٍ للكاتب الفلسطيني "محمّد المدهون" قال في ما يتعلّق بصفقة القرن وورشة البحرين "هو اعتراف بوجود دولة إسرائيل ويؤكِّد ذلك بعض الأكاديميين الإسرائيليين الذين حذَّروا أميركا وإسرائيل والأطراف العربية المساهمة في الصفقة، بأنهم سيكونون أمام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما حدث حينما رفض عرفات في كامب ديفيد عرضاً أكثر تقدّماً من صفقة ترامب، فرفضها الفلسطينيون وفجّروا انتفاضة الأقصى".
القضية جوهرية وحتميّة، وإسرائيل تختبر تداعيات قراراتها الصهيونية على الأرض مباشرة، عبر مسيرات العودة وانتفاضات الشباب الفلسطيني في كل يوم، أما المقاومة الفلسطينية فشكَّلت لنفسها درعاً حصيناً، وهي قادِرة على الردّ عندما يبدأ الجانب الغربي والإسرائيلي، بمباشرة تنفيذ ما أُسّس له لتصفية القضية الفلسطينية، وهذه ليست شعارات بل أنه الواقع الذي شهدناه في حرب غزَّة، وكيف أن صواريخ المقاومة استطاعت كَسْر تحصينات القبّة الحديدية في إسرائيل، وبهذا فإن صفقة القرن وبنودها وورشاتها ستصطدم بالشعب الفلسطيني ومقاومته، فالردّ الناري سيكون مُدوِّياً، وسيُعيد العديد من الحُكَّام إلى رُشدهم.