دعوة السراج: مبادرة إنشائية في ساحة حرب
بالنظر إلى ما تعيشه طرابلس اليوم وما يحصل في الميدان عسكرياً بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وما تحتويه المبادرة يمكن القول أن مبادرة السراج جاءت منقوصة من عدّة عناصر. منها أنها أهملت الوضع العسكري في ليبيا ولم تُجِب على سؤال: هل سيتمّ الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار إلى حين تطبيق المبادرة؟
يتأجّج الصراع الدائِر في ليبيا يوماً بعد يوم بين الفرقاء الليبيين، صراع عسكري عقّد الوضع الإنساني و الاقتصادي وصعّب الوضع السياسي و خلّف الكثير من القتلى والجرحى، المنظمة العالمية للصحة أكّدت أن الصراع في ليبيا خلّف حتى وقت قريب من كتابة هذا المقال حوالى 691 قتيلاً وأكثر من 2900 جريح . هذا من دون الحديث عن نزوح 90500 ليبي. حصيلة ثقيلة آخذة في الارتفاع يتكبّدها الشعب الليبي في ظل فراغ المشهد السياسي من أية مبادرات سلام بعد نسف المؤتمر الوطني العام الذي دعا إليه المبعثوت الأممي غسان سلامة بعد بدء الحرب. أرقام الميدان والضغوط الدولية دفعت برئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج إلى تقديم مبادرة تحتوي على 7 نقاط تهدف إلى إيجاد حل للأزمة الليبية بعد أكثر من شهرين.
لم تلقَ مبادرة السراج التي أعلن عنها الصدى المطلوب، فبعيداً عن محتواها الذي وصفه أحد المحلّلين بأنه بعيد كل البُعد عمّا تعانيه طرابلس على الأرض، حظيت المبادرة بدعم الاتحاد الأوروبي، دعم من دون حماسة أتى في إطار تشجيع الليبيين على إيجاد حل سياسي أي حل لأزمة الصراع المسلّح، وليس استناداً لأهمية ما جاء في المبادرة. وكانت المنظمة الأممية أول المرحّبين دولياً بمبادرة السراج حسب ما جاء من البعثة الأممية في ليبيا والتي أعربت عن استعدادها لقبول أية مبادرة أخرى. لكنها في المقابل لم تلقّ أية ردود فعل رسمية أو اهتمام القيادة العامة لــ"الجيش الوطني" بقيادة المشير خليفة حفتر أو مجلس النواب (مقرّه مدينة البيضاء، شرق ليبيا) الذي يرأسه عقيلة صالح.
وتحتوي المبادرة على 7 نقاط أهمّها الدعوة إلى مُلتقى ليبي بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة، وتُمثَل فيها جميع مكوّنات الشعب الليبي، ويجري خلاله الاتفاق على القاعدة الدستورية المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مُتزامِنة قبل نهاية العام الجاري، فيما نصّت آخر النقاط على أن "تنبثق عن الُملتقى هيئة عليا للمصالحة الوطنية تقوم بالإشراف والمتابعة لملف المصالحة الوطنية، وتفعيل قانون العدالة الانتقالية وقانون العفو العام، وجبر الضرّر باستثناء مَن ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية". كما لا يبدو من خلال بنود المبادرة أي دور لحفتر الذي يُعتَبر اللاعب الرئيس في الملعب الليبي ووصفته بالمغامِر. استبعاد حفتر من المبادرة جاء بسبب ما أعلن عنه سابقاً عن فتح حكومة الوفاق قنوات إتصال مع قيادات من المنطقة الشرقية الرافضين للحل العسكري.
بالنظر إلى ما تعيشه طرابلس اليوم وما يحصل في الميدان عسكرياً بين قوات حكومة الوفاق وقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وما تحتويه المبادرة يمكن القول أن مبادرة السراج جاءت منقوصة من عدّة عناصر. منها أنها أهملت الوضع العسكري في ليبيا ولم تُجِب على سؤال: هل سيتمّ الاتفاق على وقفٍ لإطلاق النار إلى حين تطبيق المبادرة؟ وإن تمّ هذا الاتفاق مع مَن سيتم؟ خاصة و أنها تستبعد إمكانية الاتفاق مع حفتر، هذا من ناحية، من ناحيةٍ أخرى تستبعد المبادرة العدو الأول لحكومة الوفاق و الطرف الرئيس في الصراع المشير المتقاعد خليفة حفتر رغم سيطرته على أغلب مناطق الشرق الليبي و الجنوب، وهو ما يُنبئ باستحالة تطبيقها. وكان السراج قد رفض مطلع أيار/مايو الماضي دعوات دولية إلى وقف إطلاق النار من دون شروط حيث تمسّك بشرط انسحاب الجيش من مواقعه وتقديم المنطقة الشرقية لشخصية أخرى للتفاوض معها بدل المشير خليفة حفتر، وهو من الشروط التي وصِفت بـ"غير الواقعية" واعتبرت رفضاً منه لوقف إطلاق النار وتمسّكاً بالحسم العسكري، هذه الحقائق تزيد من واقعية الاتهامات التي وجّهت إلى المبادرة بأنها جاءت فقط لارباك الوضع العسكري لقوات حفتر خاصة بعد سيطرته على المطار منذ أكثر من شهر.
رغم تأييدها من الأمم المتحدة و الاتحاد الأوروبي إلا أن دعوة السراج يمكن أن تظل كسابقاتها مجرّد مبادرة سياسية من دون تطبيق، ذلك أن الأطراف الدولية لا يبدو أنها ستنخرط في العملية السياسية كما لا يبدو أنها ستشجّعها أيضاً، و ذلك بالنظر إلى الاختلافات التي عصفت باللاعبين الدوليين على الساحة الليبية منذ اندلاع حرب طرابلس، إضافة إلى اختلاف التوجّهات بين تونس والجزائر ومصر، كما لم يتطرّق السراج خلال مبادرته إلى مصير الميليشيات التي وصفها بـ"الثوار" و"الجيش الليبي"، كما أنه لم يُحدِّد الأطراف التي ستشارك في الملتقى ومعايير التمثيل والمشاركة في ظل الواقع الذي أنتجته الحرب الدائرة منذ أكثر من شهرين في العاصمة.
في المقابل تأتي المبادرة بعد شهرين من حرب طرابلس، شهران غابت فيهما المبادرات السياسية وعلا فيهما صوت الرصاص، وهو ما يعني أنها يمكن أن تحمل زاوية إيجابية تتمثّل في تحريك المسار السياسي خاصة بعد تصريحات المبعوث الأممي غسان سلامة والتي أكّد فيها باستحالة الحسم العسكري بسبب تقارُب عامل القوة بين الطرفين.