ورشة البحرين .. بوابة الانحلال العربي
التسريبات الأميركية التي أكَّدت أن إسرائيل لن تُشارك في هذه الورشة بُغية منع إحراج الحُكّام العرب المشاركين فيها، لكن إسرائيل وعبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أكّد أن دولته ستشارك وبوفدٍ كبيرٍ ورفيع المستوى، وهذا الأمر أضاف ارتباكاً جديداً سيزيد من عزلة الحكّام العرب، ويضعهم من جديدٍ أمام خيارات شعوبهم الرافِضة أصلاً للتطبيع مع إسرائيل، أو لتصفية القضية الفلسطينية.
الواضح أن حال الارتباك السياسي التي باتت معالمها واضحة على واشنطن وحلفائها، بسبب قُرب انعقاد ورشة البحرين، تؤسّس لتجاذباتٍ سياسيةٍ ستكون لها نتائج خطيرة قد تنعكس على الصعيدين السياسي والعسكري للدول المشاركة في هذه الورشة، وبالتالي فإن فُرَص نجاح مؤتمر البحرين باتت محدودة على الرغم من التسريبات المُتعلّقة بجدول أعمال هذه الورشة، والتي تمحورت حول الدعم الاقتصادي للفلسطينيين، وذلك بحسب جاريد كوشنر، كبير مُستشاري البيت الأبيض، الذي قال:" إن أول مرحلة من خطّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، تقترح استثمارات مقدارها 50 مليار دولار في الأراضي الفلسطينية ومصر والأردن ولبنان"، وأضاف "إن الخطة ستوفّر مليون فرصة عمل في الضفة الغربية وقطاع غزّة، كما ستُقلّل معدّل البطالة الذي يبلغ نحو 30 % إلى أرقام أحادية، كما ستُقلّل معدّل الفقر لديهم بمقدار النصف، إذا تمّ تنفيذها بشكلٍ صحيحٍ وتضاعف الناتِج المحلي الإجمالي"، وبالتالي فإن كل هذه التطمينات والإغراءات لم تكن مَدعاة لزوال حال الارتباك على المشاركين العرب في هذه الورشة، خاصة أن حال الارتباك يمكن أن نُعيدها إلى مؤشّراتٍ عدّة:
أولاً: الدول العربية المشاركة في هذه الورشة وجدت نفسها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع استحقاق يضع القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي موضع الامتحان الصعب، حيث أن هذه الورشة ستؤسّس لنهجٍ عربي جديدٍ قد لا تكون القضية الفلسطينية أهم أركانه، إضافة إلى أن مُعادلة الصراع العربي الإسرائيلي ستكون عُقب هذه القمّة قد تغيّرت جُملة وتفصيلاً.
ثانياً: التسريبات الأميركية التي أكَّدت أن إسرائيل لن تُشارك في هذه الورشة بُغية منع إحراج الحُكّام العرب المشاركين فيها، لكن إسرائيل وعبر رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أكّد أن دولته ستشارك وبوفدٍ كبيرٍ ورفيع المستوى، وهذا الأمر أضاف ارتباكاً جديداً سيزيد من عزلة الحكّام العرب، ويضعهم من جديدٍ أمام خيارات شعوبهم الرافِضة أصلاً للتطبيع مع إسرائيل، أو لتصفية القضية الفلسطينية.
ثالثاً: ما دعت إليه القوى الوطنية الفلسطينية لتفعيل مسيرات شعبية غاضِبة رفضاً للمشاريع الأميركية الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، وما يُحاك من قِبًل واشنطن وأدواتها للقضاء على حق العودة، كما دعت الفصائل الفلسطينية إلى تصعيد المقاومة الشعبية لإسقاط المؤامرة، ومن الممكن أن تتحوَّل هذه المسيرات إلى مواجهاتٍ مع قوات الأمن الإسرائيلية، ليمتد تأثيرها إلى العواصم العربية المشاركة في هذه الورشة، الأمر الذي سيضع الحُكّام العرب في موقفٍ غايةٍ في الإحراج، فمن جهة هم شركاء في تصفية القضية الفلسطينية، ومن جهةٍ أخرى قد يؤدّي انعكاس التظاهرات الفلسطينية حالة من الغليان الشعبي، ويُمكن أن يجري ترجمتها إلى تحرّكات تُزعزع الأمن والاستقرار الدّاخلي فيها.
رابعاً: غياب روسيا والصين ومعظم الدول الأوروبية عن حضور هذه القمّة زاد في ارتباك الحُكّام العرب المشاركين، حيث أن التعويل العربي على حضور هذه الدول قد يُغطّي على مشاركتهم، وعليه فإن غياب هذه الدول سيكشف حقيقة هذه الورشة، وأهدافها وأبعادها الأميركية والإسرائيلية.
الواضح أن ورشة البحرين ورغم الصَخَب المُرافق لها لجهة جَمْعِ المليارات، يبدو أنها ستواجه فشلاً ذريعاً، حيث أن جَمْعَ هذه المِليارات سيكون كثمن بيع فِلسطين، وهذا ما لا ترضاه الشعوب العربية، لأن حال الانسلاخ من كل الالتزامات السياسية والثقافية والتاريخية والدينية المرتبطة بالبُعد الإنساني للقضية الفلسطينية، لا يمكن التغاضي عنها، واحتضان البحرين لهذه الورشة، وحضور وفد إسرائيلي رفيع المستوى، أماط اللثام عن حقيقة هذه الدول السائِرة في الرّكب الأميركي الإسرائيلي، لكن الحقيقة المُطلقة تقول بأن القدس باقية، وما هذه المؤتمرات إلا ضرب من خيال ساهمت إسرائيل في إنشائه، لكنه سيسقط، وسيكون لسقوطه أثراً سلبياً بالمقاييس كافة، ولعلّ بوادر هذا السقوط تجسَّدت في الدعوات الفلسطينية للتظاهر والمقاومة، الأمر الذي سيكون له ارتدادات تطال عرش الحُكَّام المُشاركين في تصفية القضية الفلسطينية.