تونس: 218 حزباً في انتظار الانتخابات القادمة
قبل الثورة بأكثر من 50 عاماً لم يكن الجو مساعداً لبروز أحزاب معارضة للحزب الحاكم في تونس، دأب الرئيس الأسبق بورقيبة ومن بعده بن علي على رفض كل شكل سياسي معارض حزباً كان أم جمعية.
في فترة النظام السابق وصل عدد الأحزاب في تونس إلى ما يُقارب 9 أحزاب، يصفها البعض بأن أغلبها أحزاب كرتونية وضِعَت بصفة صوَرية من أجل إضفاء لمسة التعدّدية على دكتاتورية النظام السابق. لكن بعد الثورة وفي انتخابات 2011 وصل عدد الأحزاب في تونس إلى ما يُقارب الـ 100 حزب، المحلّل السياسي عبد اللطيف الحناشي وصف الوضع قائلاً في ذلك الوقت "إن ارتفاع عدد الأحزاب بعد الثورة مباشرة هو ظاهرة صحية عاشتها أغلب الدول التي عاشت ثورات ومع الوقت سوف تنصهر هذه الأحزاب في بعضها البعض". اليوم ومع اقتراب الموعد الانتخابي الثالث بعد الثورة، وبعد ما أعلنت مصالح الوزير لدى رئيس الحكومة المكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، في بلاغ لها، الثلاثاء 14 أيار/ مايو 2019، عن تأسيس حزب سياسي جديد أُطلِقَ عليه إسم حزب "الحركة الوطنية لشباب تونس" وصل عدد الأحزاب في تونس إلى 218 حزباً.
في حال تمّ إجراء الاستحقاق الانتخابي لسنة 2019 وفاز كل حزب من الأحزاب المشكّلة للمشهد السياسي في تونس بمقعد في البرلمان، سيبقى حزب من دون مقعد ما يدلّ إلى حالة التشرذم التي يعيشها المشهد السياسي في تونس، 218 حزباً في بلد لا يتجاوز عدد سكانه 10.6 ملايين نسمة. يمكن القول إن ارتفاع عدد الأحزاب متأتٍ في غالبيته من تأسيس أحزاب جديدة، لكن نسبة أقل من هذا الارتفاع سببها الانشقاقات التي حدثت داخل الأحزاب، أول هذه الأحزاب التي عاشت انشقاقات هو حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، و التي أصبح بعد انتخابات 2014 ما يُقارب 3 أحزاب وهي التيار الديمقراطي، حركة وفاء و حزب حراك تونس الإرادة أيضاً عاش حزب نداء تونس انشقاقات تسبّبت في انقسامه إلى 4 أحزاب وهي حزب بني وطني، حزب مشروع تونس حزب نداء تونس و حزب تحيا تونس ، هذا إضافة إلى الطموحات السياسية التي برزت لبعض الوجوه التكنوقراط و نتج منها تأسيس أحزاب بعد تجربة حكومة المهدي وهو حزب البديل التونسي لرئيسه رئيس الحكومة الأسبق المهدي جمعة وحزب آفاق تونس لرئيسه وزير النقل الأسبق في حكومة المهدي جمعة ياسين إبراهيم.
لكن الحلقة الأغرب في مسلسل ارتفاع عدد الأحزاب هذه المرة هي تأسيس أول حزب أمازيغي في تونس "أكال"، و قال فادي المنصري الأمين العام للحزب الأمازيغي إن تأسيس هذا الحزب ليس قائماً على أساس عِرقي وأن الأمازيغية هي هويّة وليست عِرقاً. وأضاف إن اختيار إسم الحزب ليس عبثياً مُعبّراً أن كلمة «آكال» باللّغة الأمازيغيّة تعني الأرض التي تُعتَبر بالنسبة لهم السيادة الوطنية وتعني لمؤسّسي هذا الحزب الثروات المنهوبة، الملح، الغاز الطبيعي والبترول وغيرها من الملفات الشائكة في البلاد وهذه القضايا التي سيدافع عنها الحزب. تأسيس حزب بخلفية أمازيغية يدفع إلى السطح بالجدل الذي حصل في الجزائر قبل سنوات بعد احتجاجات مواطنين أمازيغ في الجزائر عن حقّهم في إدراج اللغة الأمازيغية في البرامج التعليمية، كما أنه و حسب إحصائيات غير رسمية يبلغ عدد الأمازيغ في تونس حوالى 500 ألف نسمة ، وهو ما يطرح سؤالاً حول ما إذا حصل هذا الحزب على أصوات الأمازيغ في الانتخابات القادمة كيف سيكون المشهد السياسي في الفترة القادمة ، مع العلم أن حركة النهضة الحزب الأول في تونس صاحب القاعدة الانتخابية الأعرض حصل على 68 مقعداً ب800 ألف ناخب فقط.
في المقابل لا تمتلك غالبية هذه الأحزاب وزناً سياسياً حقيقياً في المشهد السياسي في تونس، بل إن المواطن التونسي لا يعرف أغلبها يتهافت جميعها على مفهوم الوسطية و التي أصبحت أكثر المفاهيم استعمالاً في الخطاب السياسي التونسي، وأكثر الوجهات قبلة للسياسيين ،فكل المبادرات التي أسّست المشهد السياسي في الفترة الأخيرة بُنيَت على تبنّي «الوسط» كركيزة أساسية لتوجّهات المبادرات والأحزاب. الكاتب والمؤرّخ عبد اللطيف الحناشي يؤكّد إن تبنّي أغلب الأحزاب والتيارات السياسية في تونس للوسطية ورَفْعها كشعار يعود أساساً إلى العجز عن ابتكار مفاهيم سياسية جديدة، ويؤكّد أنه لا توجد في تونس أحزاب مُعترَف بها رسميّاً تتبنّى المرجعية اليمينية المتطرّفة أو المرجعية اليسارية المتطرّفة ، كما تنصّب غالبية الأحزاب مهما كانت توجّهاتها في الوسط (وسط اليسار ، وسط اليمين) حتى أن حركة النهضة لاتصرِّح بأنها تنتمي إلى اليمين المحافظ ، بل تقول بأنها حزب محافظ فقط، وأحزاب اليسار وخاصة حزب العمال يميل إلى اليسار الاجتماعي أكثر من اليسار الراديكالي.
يمكن القول إن غالبية هذه الأحزاب تشترك في هزالة برامجها الانتخابية بداية من حركة النهضة التي وعدت بتوفير 400 ألف موطن شغل في انتخابات 2011، إلى حزب نداء تونس الذي أكّد أنه يمتلك كفاءات تستطيع تسيير 4 حكومات قبل أن يصطدم التونسيون بصراع مرير داخل أروقة هذا الحزب، لكن الإيجابي في المشهد السياسي أن غالبية الأحزاب قد اكتسبت تجربة طويلة في العمل السياسي من خلال تجربتين انتخابيتين (2011 ، 2014)، فهل ستوظّف الأحزاب التي ستفوز في الانتخابات هذه التجربة للخروج بتونس من أزمتها؟