اعتراف فرنسا بالإبادة الجماعية للأرمن: فعل متأخر وغير مكتمل

قرر الرئيس إيمانويل ماكرون تخصيص يوم 24 نيسان/أبريل "اليوم الوطني لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن" في عملية اعترافٍ بحقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها.

ماكرون يجعل 24 نيسان "اليوم الوطني لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن"

فبعد 100 عام من مذبحة المواطنين الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، بدا هذا القرار يستجيب في المقام الأول للاعتبارات الانتخابية التي تهدف إلى جمع أصوات الجماعات الأرمنية المهمة في فرنسا، خاصةً أنه يأتي في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا اضطرابات اجتماعية أهمها تحركات السترات الصفر، وبعد ثلاثة أشهر من الانتخابات الأوروبية الحاسمة لأصغر رئيس فرنسي للجمهورية الخامسة، وفي ظل توتر ملحوظ بين فرنسا  وتركيا.

استكمالا لـ "قانون تجريم إنكار الإبادة الجماعية للأرمن"، الذي تبناه نيكولا ساركوزي أيضاً عام 2012 في منتصف الحملة الانتخابية لإعادة انتخاب "الدم الغير الصافي"، سيكون لهذا القرار نتيجة أولية لشرخ التعاون بين الراعيين الرئيسيين للمعارضة السورية حين قامت كل من فرنسا وتركيا بدعم وتسليح هذه المعارضة، وهو ما يضع البلدين المتورطين معاً في تقطيع سوريا في موقف أشبه بحرب خفية بينهما.

التحول الغريب لاثنين من الشركاء القدامى أحدهما تركيا، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة العضو في الناتو، ينسحب تدريجياً لصالح تحالف الإقليمي (إيران، روسيا). والآخر فرنسا المهزومة في سوريا وتتمسك بحلف مع القوى الكردية من المساعدين التقليديين للغرب في الأراضي العربية، والأسوأ من ذلك، أن هذه القوى هي من شركاء الأتراك على أساس طائفي في مذابح الأرمن في الدولة العثمانية.

في القرن الـ20 قدمت فرنسا، رغم أنها حامية لمسيحيي الشرق، هدية إلى تركيا، التي كانت عدوها في الحرب العالمية الأولى، أراضِ سورية. مهمة تبدو وكأنها مكافأة لدولة الإبادة الجماعية، في ضم حي الاسكندرون السوري إلى تركيا التي تدخلت في مذبحة الأرمن.

في المقابل، ستصوت تركيا بشكل ثابت لمصلحة فرنسا ضد استقلال الجزائر خلال حرب الاستقلال الجزائرية، خلال المناقشات التي دارت في الأمم المتحدة في العقد 1950-1960، وتحرم المجاهدين من صفة المقاتلين، وتسميتهم "إرهابيين".

في القرن الـ21، ستعود فرنسا مجددًا إلى تركيا في مشروع موجه أساساً ضد سوريا. والذي سينحرف لاحقاً في مشروع ضد تركيا، شريكها السابق في حرب تجزئة الدولة السورية. والتي أجريت تحت غطاء "الربيع العربي".

وقد حصل نفس الانحراف عام 2000،  ضد الرئيس اللبناني إميل لحود (1998-2007)، الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، في قرار اتخذته فرنسا في عهد شيراك - الحريري، بسبب دعم الرئيس اللبناني لحزب الله وسوريا. والتي تم تحميله "مسؤولية ضمنية" في اغتيال رفيق الحريري رسمياً دون أي دليل، من قبل المدير الحالي للإدارة العامة للأمن الخارجي الفرنسي برنارد إيمي، والذي كان في حينها قنصل فرنسا في لبنان.

شجع تواطؤ فرنسا مع تركيا مضيّها في المراهنة على تقسيم سوريا، ما عزز تدفق الإرهابيين الجدد إلى منطقة دير الزور، وتسبب في تدمير النصب التذكاري للإبادة الجماعية للأرمن. فهذا التحالف المخالف لطبيعة فرنسا، حامية مسيحيي الشرق، مع تركيا، المنجزة أدّى لأول إبادة جماعية في القرن الـ20، ضد سوريا التي تضم النصب التذكاري للإبادة الجماعية للأرمن في دير الزور. ضد سوريا، مقر البطريركية الشرقية منذ سقوط القسطنطينية.

كيف نفسر تحالف الدولة الوحيدة في العالم التي تطالب بالعلمانية بأكثر القوى رجعية والقمعية في العالم العربي، تحت غطاء الكفاح من أجل الديمقراطية؛ سلفه نيكولاس ساركوزي مع قطر، عرابي مدمري المواقع الإسلامية في تمبكتو، والخليفة ما بعد الاشتراكي، مع المملكة الوهابية.

تحالف مع عرابي الرهائن في أساقفة سوريا، ومدمري المواقع الدينية، بما في ذلك معلولا في ضواحي دمشق. وهي واحدة من أقدم المواقع الإنسانية القديمة التي يتحدث سكانها الآرامية، لغة المسيح، التي كانت راهباتها محتجزات في الأسر كدروع بشرية؟

نشر تركيا على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط على أساس الدبلوماسية العثمانية الجديدة ، جعلها في منافسة مباشرة مع مصالح القوى الاستعمارية السابقة. وهي صدمة كهربائية مفيدة دفعت فرنسا إلى التفكير في مقاربة تصالحية لإيقاظ تركيا من سباتها العقائدي وتسهيلها للإجرام فيما يتعلق لرعاياها الأرمن المفترضين.

إن منع تركيا في طريقها إلى أوروبا بحجة أنها ليست أوروبية سوف يكتسب صدقية إذا كانت هذه الحجة الخاطئة تنطبق بالتساوي على وجودها في حلف الناتو، الحلف الأطلسي، والذي لا يُعتبر بأي حال من الأحوال الواجهة البحرية لتركيا.

كما كان الهدف من استبدال اسرائيل بإيران كعدو وراثي جديد للعرب، هو إعفاء الغربيين من مسؤوليتهم في المأساة الفلسطينية، من خلال التهاون بالوجود الإسرائيلي في المنطقة على حساب الجار منذ ألف سنة للعرب/ إيران، حيث تشكل امكاناتها النووية بعد 60 سنة تهديداً للنووي الإسرائيلي ونزع الملكية الفلسطينية.

شكلت تركيا القاعدة الخلفية لتجنيد الارهابيين، إلى جانب طريق النقل والإمداد الرئيسي للدولة الإسلامية في الحرب السورية. وتمتعت منذ فترة طويلة بنوع من الإفلات من العقاب على الإبادة الجماعية للأرمن، وهي جريمة ضد الإنسانية لكنها اُعفيت من التهمة  بسبب تحالفها مع إسرائيل ومكانتها كدولة إسلامية العضو الوحيد في الناتو.

هذا التحالف الذي وصفه استراتيجيو أتلانتس بـ"التحالف بين الديمقراطيتين العظيمتين في الشرق الأوسط"، كان في الواقع "تحالفاً للانتكاسات" نظراً لخنق سوريا، أحد آخر الدول في ساحة المعركة مع لبنان يرفض عقد صفقة مع الدولة العبرية. لقد أقفل تحالفاً بين أول حالة إبادة جماعية في القرن الـ20 ودولة تأوي الناجين من واحدة من عمليات الإبادة الجماعية الكبرى في نفس القرن.

ترجمة: بيان خنافر