الإرهاب يضرب مُجدّداً أبرياء الريف التونسي
قبل أسبوع تمكّنت وحدات من الحرس الوطني و الجيش من العثور على جثة الراعي الشهيد مختار عاشور، المفقود منذ مدّة تفوق الشهر والذي أعلن التنظيم الإرهابي داعش عن ذبحه. إستشهاد عاشور لم يكن منفرداً إنما أتى ضمن سلسلة من العمليات الإرهابية التي يستهدف فيها التنظيم الإرهابي المواطنين و خاصة الرُعاة منهم.
في العاشر من ديسمبر سنة 2012 بينما كان أحد مواطني منطقة بوشبكة وسط غرب تونس يشقّ طريقه وسط الغابة إذ لمح 3 أشخاص مسلحين ، إتصل المواطن بدورية الحرس الوطني التي تدخّلت على الفور ليتّضح بعد ذلك أن الأشخاص الثلاثة كانوا نواة أولى للجماعات الإرهابية المتمركزة بجبال تونس الحدودية . أسفرت العملية عن إستشهاد الوكيل بالحرس الوطني أنيس الجلاصي ليصبح أول شهيد في تونس . إن كانت هذه القصة هي مقدّمة لسلسلة عمليات إرهابية راح ضحيّتها عشرات الأمنيين و العسكريين، إلا أنها تظهر و بشكل واضح أهمية المعلومة الاستخباراتية في دحر الإرهاب و أهمية دور المواطن في نقل هذه المعلومة لحماية أرض الوطن. لكن و منذ نوفمبر 2015 بدأ الإرهابيون بتنفيذ عمليات متنوّعة تستهدف بالأساس المدنيين بغرَض التخويف.
قبل أسبوع تمكّنت وحدات من الحرس الوطني و الجيش من العثور على جثة الراعي الشهيد مختار عاشور، المفقود منذ مدّة تفوق الشهر والذي أعلن التنظيم الإرهابي داعش عن ذبحه. إستشهاد عاشور لم يكن منفرداً إنما أتى ضمن سلسلة من العمليات الإرهابية التي يستهدف فيها التنظيم الإرهابي المواطنين و خاصة الرُعاة منهم.
بدأت هذه السلسلة من العمليات بإختطاف الراعي مبروك السلطاني في نوفمبر 2015، خلقت هذه العملية جدلاً كبيراً في تونس بحُكم أنها الأولى من نوعها في تونس، وقد قامت مجموعة إرهابية يُعتَقد أنها تابعة إلى ما يُسمّى "كتيبة عقبة إبن نافع " والتي تُعتَبر فرع تنظيم القاعدة في المغرب العربي حسب موقع سايت الأميركي بقطع رأس راعي الأغنام مبروك السلطاني البالغ من العمر 16 عاماً والذي كان برفقة إبن عمه (14 عاماً) يرعيان الأغنام في جبل سلة 2 بمعتمدية جلمة من محافظة سيدي بوزيد المتاخمة لجبال مغيلة الرابطة بين محافظتي القصرين و سيدي بوزيد . لم ينته الأمر هنا بل أن الإرهابيين أبقوا على إبن عم الضحية حتى يسلّموه رأس إبن عمّه المقطوعة و أمروه بأن يسلّمها إلى أهل الضحية ، الشيء الذي أدخل الرعب و الخوف في قلب الطفل الصغير الذي حمل الكيس راكضاً إلى القرية . كانت التهمة التي وجهها الإرهابيون للراعي هي التجسّس عليهم.
بعد أكثر من عام ونصف العام على مقتل شقيقه على أيدي مجموعات إرهابية، لقي خليفة السلطاني، راعي أغنام، مصرعه على أيدي المجموعات ذاتها، في المكان ذاته حيث وُجِدت جثة شقيقه مبروك السلطاني وقطع رأسه. يظهر من المقطع الذي نشرته المجموعة الإرهابية والذي هو بمثابة عملية إستنطاق أن الإرهابي الذي يستنطق الضحية هو جزائري وهو ما يؤكّد تنقّل هذه المجموعات عبر الحدود بين تونس و الجزائر. و تأكيداً لذلك تمكّنت قوات الجيش الجزائري في 14 ديسمبر 2017من القضاء على إرهابيين خطيرين من جنسية تونسية بعد أن تسلّلا من الحدود الغربية لتونس في إتجاه الجزائر ، بالمقابل تمكّن الجيش التونسي من قتل عدد من الإرهابيين من جنسيات جزائرية أهمهم لقمان أبو صخر.
تواصلت عمليات إستهداف الرعاة ، و في 26 جوان 2018 أعلن موقع سايت الأميركي و المتخصّص في تتبّع الجماعات الإرهابية عبر الأنترنت أن كتيبة عقبة بن نافع أعلنت مسؤوليتها عن مقتل الراعي الأمجد القريري، و كانت المجموعات الإرهابية قد إختطفت الراعي المذكور ومارست عليه تعذيباً شديداً و قطعت جزءاً من أنفه بعد إتهامه بالجوسَسة و توفى متأثراً بجراح بعد نقله إلى المستشفى العسكري. كما تمكّنت من إغتيال المواطن خالد الغزلاني ب20 رصاصة. بعد تنفيذ عملية سطو على بنك بجهة سبيبة في 14 ديسمبر من العام الماضي.
مرة أخرى أعلن تنظيم داعش في فيديو بثّ على الإنترنت، مسؤوليته عن مقتل المواطن زهير المخلوفي، عثر عليه مقطوع الرأس، أواخر الشهر الماضي، في جبل المغيلة الواقع في ولاية سيدي بوزيد وسط البلاد.وقال مركز "سايت" الأميركي إن "التنظيم نشر عبر تطبيق تلغرام، مقطع فيديو وثّق من خلاله عملية قطع رأس المواطن التونسي محمّد علي المخلوفي في جبل مغيلة، بتهمة التجسّس لصالح أجهزة الاستخبارات التونسية".
حسب خبراء في الجماعات المسلّحة فإن التنظيم يحاول من خلال عملياته ضدّ المواطنين الذين يسكنون تخوم الجبال التي يتمركزون فيها نشر الرعب في قلوبهم وإبعادهم قدر الإمكان عن الانتماء الوطني و قبول الأمر الواقع بضرورة التعاون مع الإرهابيين ، و هو يهدف بذلك إلى تخريب القدرة الاستخباراتية للأمن و الجيش التونسيين. لكن و حسب نفس الخبراء فإن النجاحات المتواصلة للجهاز الأمني العسكري تُحبط في كل مرة هذه المخططات.
من جهة أخرى إرتفعت مؤخراً وتيرة العمليات الإرهابية في تونس من خلال إنفجار عدد من الألغام أخرها منذ أيام و الذي أعلنت فيه كتيبة عقبة بن نافع مسؤوليتها عن الهجوم حسب موقع سايت الأميركي، ويعزي الخبراء هذا الارتفاع إلى عودة عدد من الإرهابيين من بؤر التوتّر كليبيا و سوريا. تكمن خطورة المجموعات الإرهابية في تونس و التي تتركّز خاصة في المنطقة الجبلية وسط غرب تونس في قدرتها على الانتقال بين تونس و الجزائر ، و قدرتها أيضاً على التنسيق مع المجموعات الإرهابية في الجزائر .لكن الخطر الأكبر يكمن حسب تقارير إستخباراتية جزائرية في أن واشنطن تدفع نحو مزيد تأزيم الملف الليبي وممارستها ضغوطاً على تنظيم «داعش» لحمل عناصره وبينهم مقاتلون أجانب على إعادة التجمّع في شكل خلايا أصغر وأكثر انتشاراً بتونس والجزائر على اعتبار أنهما الأكثر ارتباطاً جغرافياً بليبيا والأقرب إليها. وتعتبر معركة طرابلس التي تدور رحاها إلى الآن مناسبة جيّدة لتسرّب هذه المجموعات خاصة و أن تونس شهدت تجربة مُشابهة في 7 مارس 2017، عندما تسرّب أكثر من 50 مسلّحاً عبر الحدود الجنوبية و مُنيّ فيها التنظيم الإرهابي بهزيمة في مدينة بنقردان كانت سبباً في تقهقره في ليبيا.