حميدتي كلمة السرّ في النظام السوداني الجديد والعلاقات الدولية
لقد توقّع مراقبون للوضع السوداني أن يقود السودان المرحلة القادمة نائب المجلس العسكري السوداني محمّد حمدان دقلو (حميدتي). مَن هو حميدتي؟ وقصّة حياته الأولى من تجارة الإبل لقيادة قوات الدعم السريع في السودان؟ كيف شكّل قوات الدعم السريع ودورها في دارفور؟ علاقاته الخارجية التي أهّلته لرضا دولي؟
محمّد حمدان دقلو المعروف بإسمِ حميدتي (من مواليد 1975 في قبيلة الرزيقات) هوَ عسكري سوداني وهو قائد قوات الدعم السريع في السودان. انقطعَ عنِ الدراسة في سنّ الخامسة عشر بعدما توجّه لممارسة تجارة الإبل والقماش وحماية القوافل. عُرِف عنه في طفولتهِ قيادته لمجموعة صغيرة من الشباب التي كانت تعملُ على تأمين القوافل وردع قطّاع الطُرُق واللصوص. خِلال تلك الفترة؛ كان محمّد دائم التنقّل بين تشاد وليبيا ومصر تارةً لبيع الإبل وتارة أخرى لحماية القوافل، فنجحَ في جمعِ ثروة كبيرة مكّنتهُ في وقتٍ لاحق من تأسيس ميليشيا مُسلّحة زادت شهرتها خاصّة بعدما لفتت انتباه صنّاع القرار في السودان، في ظلّ سعي الحكومة إلى ضمّ القبائل لتحالفها لمواجهة التمرّد في دارفور. لم يلتحق محمّد حمدان دقلو أبداً بأيّة مؤسّسة عسكريّة لا في دارفور ولا في السودان بشكلٍ عام، بل برزَ حينما شكّلت الحكومة في الخرطوم قوات شعبية من القبائل الموالية، فعيّنت حميدتي قائداً لها. لم تكن القوات نظاميّة في بداية الأمر؛ وكانَ يغلبُ عليها الطابع القبلي لكنّها تطوّرت شيئاً فشيئاً حتى تمّت هيكلتها وصارت قوات قوميّة، ثمّ غُيّر إسمها في ما بعد إلى «قوات الدعم السريع» وصارت أقوى بعدما انضمّ إليها أبناء مختلف القبائل السودانية سواء بالشرق أو الغرب. بحلول عام 2010؛ شكّلت السلطات السودانيّة «قوات الدعم السريع» بقيادة حميدتي انطلاقاً من مجموعة من الميليشيات التي كانت مُنخرِطةً في الحربِ الدائرة في دارفور. لقيت هذه القوات دعماً مُباشراً من عمر البشير وصارت قوّة موازيّة مكوّنة من حوالى 40.000 مُقاتل ومجهّزة بالعتاد والسلاح. انخرطت مُباشرةً في الحرب وسطَ أخبار تحدّثت عن ارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة على غِرار اغتيال طلبة انتفاضة سبتمبر 2013. بالإضافةِ إلى جريمة مركز اليوناميد في خور أبشي عام 2014. في هذا السياق؛ كانت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقيّة قد أصدرت بياناً ندّدت فيهِ بما يقومُ به محمّد حمدان، وذكرت في أحدِ تقاريرها «أنّ قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي مُتّهمة بارتكاب عددٍ منَ الانتهاكات فضلاً عن سمعتها السيّئة في دارفور وفي مناطق أخرى، فيما طالبت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين المحكمة الجنائية الدولية بإدراج محمّد حمدان دقلو ضمن قوائمِ المطلوبين لدى المحكمة وتقديمه للعدالة. لم يظهر حميدتي في بداية الاحتجاجات التي طالبت بإسقاط نظام البشير لكنّ هذا الأخير كانَ قد استدعى قوات الدعم السريع في مُحاولة منه للسيطرة على الاحتجاجات. وصلت القوات في وقتٍ ما للخرطوم بغرض تهدئة الأوضاع وضبطها لكنّ قائدها حميدتي رفضَ المشاركة في قمع التظاهرات. بُعيدَ انقلاب القوات المسلّحة بقيادة أحمد عوض بن عوف وعزلها للرئيس السوداني ثم إعلانها تشكيل مجلس عسكري انتقالي لمدّة عامين؛ أصدرَ محمّد حمدان بياناً رفض فيهِ ضمنياً ما جاءَ بهِ عوض بن عوف، وطالبَ بوضعِ فترة انتقالية لا تزيد عن ستة شهور كما أصرّ على تشكيل مجلس انتقالي عسكري مهمته إنقاذ الوضع الاقتصادي وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، وتشكيل حكومة مدنية يتمّ الاتفاق عليها بواسطة القوى السياسية. تطوّرت الأمور في ما بعد في ظلّ الرفض الشعبي المُتزايد لبن عوف الذي اضطرّ بعد أقل من 24 ساعة إلى تمرير رئاسة المجلس الانتقالي لقائد القوات البريّة عبد الفتاح البرهان.. هذا الأخير لقيَ دعماً من حميدتي الذي سُرعان ما عُيّن كنائب للبرهان في قيادة المجلس العسكري الانتقالي الذي من المُفترض أن يقود السودان في الفترة الانتقاليّة إلى حين تشكيلِ الحكومة الجديدة.
إن الفريق دقلو كلمة السرّ في العلاقات الخارجية السودانية بسبب علاقاته الخارجية والأدوار التي يؤدّيها، رغم أنه انحاز إلى جانب الثوار، وأبعد عنهم خطر ميليشيات النظام. فهو الشخص الذي تشارك وحدات من قواته إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن. وكان لافتاً إعلان المجلس العسكري ممثلاً برئيسه الفريق البرهان التزامه اتفاقية مشاركة الجنود السودانيين في حرب اليمن.
فقد ظهر الفريق دقلو، قائد ميليشيا الدعم السريع، في وسائط الإعلام، في الأيام القليلة الماضية، وهو يستقبل القائم بالأعمال الأميركي، والسفير الهولندي، وممثل الاتحاد الأوروبي. وتؤكّد الأدوار التي اضطلع بها الفريق دقلو والميليشيا التابعة له، أن سبب الاهتمام الزائد الذي يوليه سفراء الدول الغربية، خاصة الاتحاد الأوروبي، يعود إلى ما ظل يقوم به الرجل من دور في مراقبة خطوط عبور المهاجرين الأفارقة إلى أوروبا عبر الأراضي السودانية. وبدا لافتاً إعلان واشنطن استعدادها لرفع إسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، إذا أجرى المجلس العسكري تغييرات "حقيقية"، وجرى التأكّد من خلوّ تركيبته من أيّ أشخاص موضوعين على قوائم الإرهاب الأميركية أو مطلوبين في جرائم الحرب الدولية.
يبقى السؤال هل علاقات حميدتي الخارجية تؤهّله ليقود السودان في المرحلة القادمة وهل يرضى عنه الثوار؟