بوتفليقة تاريخ مُكثَّف لمرحلة ما بعد الاستعمار

المقاوِمة التي تجسّدت بإنشاء التعدّدية في الدبلوماسية الدولية ، وأدّت إلى وصول ياسر عرفات إلى منصّة الأمم المتحدة. وهي المنصّة التي توجَّه منها عرفات في ت2/ نوفمبر العام 1974 مُشيراً بيده إلى البندقية وغصن الزيتون، وخاطب العالم من أكبر مدينة يهودية في العالم في نيويورك، مُحقّقاً إنجاز مقاومة في حملة الدبلوماسية.

هو أكثر من أيّ كائن كان يُلخّص بتجربته ومساره سبعين سنة من التاريخ المُكثّف في المرحلة التي تلت الكولونيالية، منذ بروزه في الدبلوماسية الدولية إلى مُحاصرته في دوائر البيروقراطية الضيّقة.
الجزائر البلد النجم في العالم الثالث طيلة الستينات برز دوره اللامع كقطبٍ في العالم العربي وفي أفريقيا ودول عدم الانحياز وعلى المستوى الدولي بموازاة فيتنام وكوبا. لكنه وجد نفسه بعد سبعين سنة في حال أقل ما يُقال فيها إنها حال مريضة يلخّصها مرض رئيسها.
بوتفليقة هو أحد ألمع الدبلوماسيين في مرحلة التحرّر الوطني، حين اعتمد عليه الرئيس هوّاري بومدين لتمثيل الثورة الجزائرية المُستقلّة حديثاً عن الاستعمار في الدبلوماسية الدولية. وفي هذا الموقع أحدث بوتفليقة عاصفة من الدبلوماسية
المقاوِمة التي تجسّدت بإنشاء التعدّدية في الدبلوماسية الدولية ، وأدّت إلى وصول ياسر عرفات إلى منصّة الأمم المتحدة. وهي المنصّة التي توجَّه منها عرفات في ت2/ نوفمبر العام 1974 مُشيراً بيده إلى البندقية وغصن الزيتون، وخاطب العالم من أكبر مدينة يهودية في العالم في نيويورك، مُحقّقاً إنجاز مقاومة في حملة الدبلوماسية.
في إطار تراجُع حركات التحرّر الوطني وتغيير المناخات الدولية في الثمانينات والتسعينات، تراجع الإرث الثوري الجزائري مع تراجع الرَيْع النفطي واحتكار "النومانكلاتورا" الصدارة والثروات. وتحت وطأة هذه البيروقراطية في هذه المنظومة تَتابَع الرؤساء في الجزائر الذين عجزوا عن التصدّي لنمو الإرهاب الأعمى الذي كاد أن يُحطّم الدولة الجزائرية طيلة العشرية السوداء.
واقع غياب الجزائر القوية عن المنطقة والجامعة العربية، أتاح الفرصة لصعود إمارات بحجم أبو ظبي أو قطر التي استطاعت طرد سوريا من الجامعة العربية وهي أحد مؤسّسي الجامعة والتعاون العربي ، ومشاركتها مع مصر في خوض أربع حروب ضد إسرائيل أعوام 1948، 1956، 1967، 1973.
تغيّرت الظروف الدولية جذرياً بين الستينات والثمانينات، وتغيّرت معها الجزائر منذ سنوات الجمر في التسعينات. فالاتحاد السوفياتي تفكّك وسقط في مواجهة حلف الناتو والمعسكر الغربي، ما أدّى إلى تهديم جدار برلين وإنجاب رئيس مخمور في روسيا. وفي العالم العربي تصاعد الإرهاب التكفيري بمَدَد الوهّابية ومشيخات الخليج والبترودولار وبدعم من القوى الامبريالية في واشنطن ولندن وباريس.
لكن هذا الانحطاط هو طور الأفول بتغيير الظروف الدولية من جديد بعد الهزائم المُتلاحِقة للقاعدة و"داعش" في سوريا والعراق، وبعد هزيمة العدوان الإسرائيلي في لبنان وغزّة. فعودة روسيا بقوّة إلى الشرق الأوسط والساحة الدولية هي عامود يمكن أن يستخدمه محور المقاومة من طهران ودمشق إلى لبنان والعراق وغزّة. وفي السياق تنسج الصين خيوط حبل الخناق حول رقبة أوروبا عبر أفريقيا. وهي تتّخذ الجزائر نقطة انطلاق باتجاه أوروبا الغربية ، بينما تتّخذ من مرفأ "بيريه" في أثينا نقطة انطلاق تجارية باتجاه أوروبا الجنوبية. وفي المنطقة العربية يتراجع صعود مشيخات النفط وتهدّدها الخلافات بين الأخ الأكبر والأخ الأصغر بانقسامات التنافُس والشَرخ. ويُهدّدها عدوانها لتدمير اليمن بانحطاط قاتل.
المُتغيّرات الجيوسياسية الواعِدة بصعود محور دولي وإقليمي في مواجهة الهيمنة الأميركية ــ الإسرائيلية، تفتقد دور الإرث الثوري الجزائري. فهي تفتقد عودة الجزائر إلى دورها التاريخي في المنطقة العربية وفي أفريقيا والعالم الثالث. لكن الجزائر محكومة بإعادة وصل تاريخها وقدرها وتراث المُجاهدين الجزائريين ودبلوماسية عبد العزيز بوتفليقة.

ترجمة بيان خنافر