ما الذي يريده إسلاميو الجزائر من الاحتجاجات الشعبية؟
الاحتجاجات غير المسبوقة التي انطلقت منذ أكثر من شهر، حاملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة في الثاني من إبريل/ نيسان الجاري، حالت من دون استكمال سيناريو العهدة الخامسة التي كانت الجزائر تستعدّ لها.
وهكذا بعد عشرين سنه قضاها الرئيس بوتفليقة في الحُكم، سبع سنوات منها أمضاها وهو مريض بعد تعرّضه لجلطه دماغية عام 2013، قد يتساءل البعض عن موقف الإسلاميين من هذه التغييرات العميقة التي تمرّ بها البلاد، ولا سيما أن التظاهرات لا تزال تتدفّق رافضة توليّ رئيس البرلمان عبد القادر بن صالح إدارة المرحلة الانتقالية بعد إثبات شغور منصب الرئاسة.
الإسلاميون في الجزائر منقسمون بين أحزاب قانونية وتيارات غير رسميه بعضها صغير ومجهري. وتعود الانقسامات في جزء كبير منها إلى فترة التسعينات من القرن الماضي حيث اختلف الإسلاميون خلال الحرب الأهلية وبعدها. وكان النظام يستغلّ هذه الاختلافات، فيُبعِد من لا يزال على ارتباط بالجبهة الإسلامية للإنقاذ ويقرِّب مَن يشجّعون على الانخراط ودعم الدولة أو يفضّلون الابتعاد عن العمل السياسي برمّته.
ويُعتَبر المنحدرون من فكر الإخوان المسلمين هم الأكثر حضوراً تنظيمياً وسياسياً داخل الطيف الإسلامي العريض في الجزائر. وعلى انقسامهم وتعدّد أحزابهم وتنافسهم، يُعتقد أن حركة مجتمع السلم (حمس) هي الفرع الأصيل لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر. ولطالما لعبت (حمس) دور الوسيط بين الشارع المتديّن وبين الدولة بعد الصِدام العنيف الذي وقع بين الدولة وجبهة الإنقاذ الإسلامية.
وأساس الانقسام بين الجماعات الإسلامية وخاصة تلك التي انشقّت عن حركة (حمس) التي أسّسها محفوظ النحناح مثل جبهة التغيير، وتجمّع أمل الجزائر يدور حول مسألة الانضمام إلى الحكومة والمشاركة السياسية. وفضّلت (حمس) أن تكون جسر اتصال بين الإسلاميين والحكومة بين عامي 1997 و2012. ثم في عهد أبو جرة سلطاني تحوّلت (حمس) إلى المعارضة، وشكّلت "تكتل الجزائر الخضراء" مع أحزاب إسلامية أخرى مثل النهضة والإصلاح ، لكن هزيمة التكتل في انتخابات 2012 أدّت إلى انهياره الأمر الذي انعكس على حركه مجتمع السلم حيث استبدلت سلطاني بعبد الرزاق مقري الذي أعلن مقاطعة حزبه انتخابات 2014 البرلمانية قبل أن يقرّر المشاركة في الانتخابات التي جرت عام 2017.
أمّا جبهة التغيير التي يرأسها عبد المجيد مناصرة المنشقّ عن (حمس) عام 2009 فقد عاد وتحالف مع (حمس) كجزء من المعارضة للتحالف الحاكِم المؤلّف من جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي.
وعن حزب تجمّع أمل الجزائر "تاج" فهو حزب صغير جداً، وتكاد إسلاميته تختفي لولا أن مؤسّسه وزير الأشغال العامة سابقاً عمار غول كان عضواً في حركة مجتمع السلم قبل أن يغادرها حين تحوّلت إلى المعارضة عام 2012، وبالتالي هو لا يملك شعبية واسعة في البلاد وانتهى به المطاف كمبرّر لجميع السياسات التي انتهجتها الحكومات الأخيرة.
يبقى القيادي التاريخي في الحركات الإسلامية عبد الله جاب الله من أكثر الشخصيات الإسلامية إثارة للجدل، فهو رفض الانضمام إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ في التسعينات لتبنّيها الأطروحة السلفية، ثم بسبب لجوئها إلى العنف ، إلاّ أنه لم يكن قريباً من حركة المجتمع السلم التي رآها أكثر ليونة تجاه السلطة ومتماهية معها على حساب مبادئها الإسلامية. هذه الاستراتيجية دفعته ليكون عنصر جَذْب لتيارات إسلامية رافضة الفرز بين العنف أو الارتماء في الحكومة والمشاركة فيها. ورغم عراقته في العمل السياسي إلا أن جاب الله لم يكن موفّقاً في قيادة أيٍّ من الأحزاب التي أسّسها، فقد أنشأ جبهة العدالة والتنمية وترأسها عام 2012 بعد ابتعاده عن حزبي النهضة والإصلاح قسراً، حيث اتُهم بالتسلّط في قيادته. أسّس جاب الله ائتلافاً عام 2017 مع النهضة التي أبعدته، ومع حركة البناء الوطني المنشقّة عن حركة مجتمع السلم لخوض الانتخابات البرلمانية. ولم تُعمّر التجربة طويلاً.
(حمس) التي دعمت بوتفليقة خلال مسيرته السياسية حتى انسحابها من التحالف الرئاسي في عام 2012 قبل أن تعلن العام الجاري نيّتها خوض الانتخابات الرئاسية، قاطعت عبر نوابها (34 نائباً لها من أصل 462) جلسة البرلمان التي نصّبت عبد القادر بن صالح رئيساً للدولة.
وفي بيان، وضعت (حمس) خارطة طريق للخروج من الأزمة تتمثّل في عدّة بنود أهمها: استمرار الحراك الشعبي إلى غاية ضمان الانتقال السلس للسلطة، متمثلاً بتنحي رئيس الجمهورية وأركان نظامه وألا تتجاوز المرحلة الانتقالية ستة أشهر ، وأن تتكفّل بإداراتها شخصية سياسية مقبولة من الحراك الشعبي غير متورّطة في الفساد أو التزوير الانتخابي في أية مرحلة من المراحل السابقة. ثم القيام بالإصلاحات الضرورية والمناسبة التي تضمن نزاهة الانتخابات ، وعلى رأسها تنظيم وتعيين الهيئة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات. ودعت إلى عدم تكرار تجربة المجلس الأعلى للدولة حيث تتولّى مهمة رئاسة الدولة شخصية سياسية واحدة لتجنّب حالات الصراع.
وفي استقراء سريع لمواقف أغلب التنظيمات الإسلامية الأخرى، لا نجد أحداً حاول التغريد خارج هذا السرب، وهو يرى الفرصة مؤاتية حالياً للاستفادة من الزخم الشعبي للدفع نحو تغيير جذري في البلاد ، مع الحذر الشديد من خروج الأمر عن السيطرة في حال رفض الجيش تسليم الحُكم للشعب ، أو دخلت قوى خارجية على خط الأزمة لتفجير الأوضاع الداخلية في البلاد وحَرْف الاحتجاجات عن مسارها المطلبي.
بين الرغبة الشديدة بتحوّل سياسي عميق يدفع نحو الديمقراطية وبين التوجّس من الجيش المُمسِك بمفاصل الأمور في البلاد، يسعى الإسلاميون لتجنّب غضب المؤسّسة العسكرية التي قد تحتاجهم في تسكين الشارع عند حدود إصلاحية مقدمة ، وبين التماهي مع مطالب المُحتجين بإزالة كامل رموز العهد السابق. وهم في كلتا الحالتين يستعدون ليكون حضورهم في السلطة أفضل مما كان عليه الأمر منذ استقلال الجزائر.