المقاومة: الرأس المطلوب... والعدو هو البوصلة
شهدت الساحة الفلسطينية خلال الأيام الماضية أحداث عدة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الضفة نفذ الشهيد عمر أبو ليلى عملية فدائية مركّبة في منطقة سلفيت، نجح خلالها في تنفيذ عملية طعن ثم الاستيلاء على سلاح أحد الجنود وإطلاق النار، فقتل ثلاثة من جنود العود وأصاب العديد منهم، وانسحب من موقع العملية قبل أن تغتاله قوات العدو الإسرائيلي بعد أيام من المطاردة.
هذه النوع من العمليات النوعية وإن كانت فردية التنفيذ؛ إلا أنها تتشابه في قدرة المنفذ على الانسحاب من موقع العملية، ليغدو مطارداً لقوات الاحتلال الصهيوني، مما يعيد إلى الأذهان ظاهرة المطاردين التي كانت منتشرة طوال فترات الاحتلال، ومع تصاعد عمليات المقاومة في الضفة الغربية ضد العدو عادت هذه الظاهرة، وإن كانت في ظروف أكثر صعوبة وتعقيداً عما قبل وتنتهي بشهادة المطارد.
يلعب التقدم التكنولوجي الذي يمتلكه الاحتلال دوراً مهماً في الكشف عن هوية منفذي العمليات، بالإضافة إلى تزايد معرفته بطبيعة الضفة الغربية، كما يساهم التنسيق الأمني بين أجهزة السلطة في رام الله كجهازي الأمن الوقائي والمخابرات العامة مع جهاز الشاباك الإسرائيلي بصورة كبيرة وميدانية في ملاحقة وكشف المنفذين، وتقوم باعتقال من يقدم لهم يد العون أو المساعدة.
أما قطاع غزة فقد شهد بعض التحركات الجماهيرية المحدودة تحت شعار "بدنا نعيش" تحمل وترفع شعارات عادلة ومحقة، إلا أنه سرعان ما تحول الحدث إلى حراك سياسي بعد اعتلاء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية التظاهرات، وتحوير مطالبها من مطالب معيشية إلى شعارات ضد المقاومة والقسام بعد الزج بعشرات الموالين لحركة فتح، والتغرير ببعض المقطوعة رواتبهم بإمكانية عودة رواتبهم.
تدخل قوات الشرطة والأمن لإنهاء التجمعات المحدودة، انتهى معظمه بصورة سلمية، والبقية تم تفريقهم بالقوة، وقد حدثت العديد من التجاوزات والانتهاكات الميدانية المدانة والمرفوضة والغير مقبولة من الكل الفلسطيني، إلا أن البعض هوّل المشهد إعلامياً بصورة غير مسبوقة.
كما تنبت حركة فتح الحراك عبر أعضاء من لجنتها المركزية وشن إعلامها بكافة مكوناته _الرسمي والإلكتروني_ حملة منظمة تهدف إلى تشويه حركة حماس في قطاع غزة، وطالب بعد قيادات الصف الأول فيها بالقضاء عليها، وللأسف انساقت بعض الفصائل الفلسطينية وبعض الكتّاب والإعلام المقرّب من المقاومة، دون الإصغاء لرؤية حماس أو الجهاز الحكومي في قطاع غزة.
واقع الحصار على قطاع غزة لا ينكره عاقل، وتردي الأوضاع الإنسانية، وارتفاع نسبة الفقر وانتشار البطالة نتيجة لما أقدم عليه الاحتلال والمتعاونون معه من الدول الغربية وغيرها من حصار مطبق على قطاع غزة، والسبب معروف بأن قطاع غزة هو آخر قلاع المقاومة المتطورة في فلسطين وخزانها المستقبلي، والمطلوب القضاء عليه، في وقت يُشنّ فيه هجوم كاسح على كافة قوى المقاومة في المنطقة؛ لشيطنة الفعل المقاوم ضد العدو الصهيوني.
الحالة الاقتصادية الصعبة مست كافة مناحي الحياة ويتعرض لها كافة أبناء المقاومة والعاملون في السلك الحكومي، كما يعيشها المواطن العادي، وقد وضع صاحب القرار في غزة والمكونات الفصائلية الشريحة المسحوقة على سلم الأولوية في تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار 2014، وتم تقديم مساعدات على مدار 3 أشهر لأكثر من 120 ألف أسرة في قطاع غزة.
المشهد الثاني في قطاع غزة حمل رسائل واضحة لكافة الأطراف التي تعول على أن قطاع غزة من الممكن أن يتحول إلى حالة من الصدام الداخلي بين مكوناته، أو يعتقد بأن مسألة سقوط المقاومة هي مطلب جماهيري، وأن الحصار وحالة التضييق والخنق على قطاع غزة ستتواصل، وأن أبناءه سوف يقفون مكتوفي الأيدي أمام الواقع الأليم.
حشود مسيرات العودة في جمعتها 52 بمشاركة الآلاف من أبناء شعبنا، وحضور فصائلي ومجتمعي واسع، تبعث الرسائل بأن العدو هو واجهة الصدام، وأنها تقف خلف المقاومة التي هي جزء منها، وتطلب من كافة الأقلام المقاومة في العالم العربي استبدال التجنيد الواسع لانتقاد ما جرى في غزة _وهو مدان بكل معاني الإدانة_ باستغلال كافة الإمكانيات للتخفيف عن القطاع؛ عبر تشجيع الدعم العربي له، واستثمار نوافذهم الإعلامية فيما يساهم في تثبيت صمود قوى المقاومة في قطاع غزة، فالمطلوب رأس المقاومة، ولن تنجر المقاومة مهما بلغت الظروف للصدام مع الحاضنة الشعبية، فالعدو الصهيوني هو البوصلة.