خمسون عاماً على يوم الشهيد "رياض".. والعرب بين "مواجهة وتطبيع"
"لن تكتفي إسرائيل برقعتها الحالية، إن الخطوة التالية عندها هي الاستيلاء على الضفة الغربية للأردن وجنوب لبنان، ولها تطلّعات في الإقليمين السوري والمصري.. تسعى إسرائيل إلى التفوّق النووي حتى تتغلّب على وحدة العرب وتعوّض -عن طريق الرُعب النووي- التفوّق العربي الاقتصادي والبشري".
قالها الفريق عبدالمنعم رياض ذات مرةٍ في ندوةٍ قبل عدوان 1967، بها رسم رؤيته الثاقبة لمستقبل الصراع (العربي- الإسرائيلي)، كأحد أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، أهم مَن شغل منصب رئيس أركان حرب القوات المُسلّحة المصرية. وكمُشاركٍ في حرب فلسطين 1948، والعدوان الثلاثي 1956، وحرب 1967 وحرب الاستنزاف.
كان "مؤمناً بشيئين أساسيين لبلوغ النصر، أولهما أن يكون القادة في مقدّمة الصفوف وأن يترسّخ اليقين بأن الحرب ليست سلاحاً في الأيدي وإنما العبرة بالرجال الذين يحملون السلاح بعد إعدادهم وتدريبهم ووضع الخطط المناسبة والواضحة أمامهم"، بحسب هيكل فإن الشهيد رياض "توصّل إلى أنه إن لم يكن بوسع قواتنا مُجاراة إسرائيل في قدرة سلاحها الجوّي ، فإن بمقدورها إلغاء أثره وفارِق تفوّقه اعتماداً على الدفاع الجوّي وشبكة صواريخ مُتقدّمة، وهو الذي وضع الخطوط الرئيسة لخطة عبور قناة السويس وتحرير سيناء التي طوّرها الفريق الشاذلي في حرب أكتوبر". وصدق الشهيد "رياض" في قوله "إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب في القاهرة، فالهزيمة مُحقّقة، إن مكان القادة الصحيح وسط جنودهم، وأقرب إلى المُقدّمة من المؤخّرة".
نعم هو "يوم الشهيد" يوافق ذكرى استشهاد الفريق "رياض" 9 آذار/ مارس 1969. ففيه وجّهت المدفعية المصرية قصفاً لنقاط العدو في خط بارليف، وحقّقت نتائج مُبهرة وأصابت العدو بحالٍ من الجنون، ووسط نشوة النصر، رفض الفريق "رياض" أن يبتعد عن الجبهة، وأصرّ على الذهاب هناك ليشدّ على عزيمة الضبّاط، وطلب من ضابطٍ صغيرٍ أن يرافقه إلى وحدته التي تمثّل الخطوط الأمامية. وبمجرّد وصوله بدأت الحرب تشتدّ بين الطرفين (المصري والإسرائيلي)، وأُصيب على إثرها الفريق "رياض" بإصابة قاتِلة من نيران مدفعية العدو أثناء الاشتباك، وقبل أن يصل إلى مستشفى الإسماعيلية استشهد.
تحتفل مصر كل عام بيوم الشهيد، حيث إن الفريق "رياض" ضرب أروع مثال على ذلك، بالرغم من أنه رئيس لأركان حرب القوات المسلّحة في ذلك الوقت، إلا أنه كان دائماً في الصفوف الأمامية، تأكيداً على أن مكان القادة الحقيقى في الصفوف الأمامية وسط الجنود الأبطال، الأمر الذى أدّى إلى استشهاده. تقلّد منصب رئيس أركان حرب القوات المُسلّحة المصرية، ليحقّق انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المُسلّحة المصرية خلال حرب الإستنزاف، وتحديداً في معركة رأس العش، التي منعت فيها قوّة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بور فؤاد المصرية، الواقعة على قناة السويس، وذلك في أواخر حزيران/ يونيو 1967.
نعاه عبدالناصر ومنحه رتبة الفريق أول ووسام نجمة الشرف العسكرية. اعتبر يوم 9 آذار/ مارس من كل عام هو يومه تخليداً لذكراه. وأُطلِق إسمه على أحد الميادين الشهيرة في وسط القاهرة بجوار ميدان التحرير ووضع فيه نصب تذكاري للفريق. وأُطلِق إسمه على أحد شوارع عمّان ومحافظة الزرقاء الأردنية. وأُطلِق إسمه على أحد شوارع الكويت في محافظة العاصمة. حصل على العديد من الأنواط والأوسمة العربية ومنها: ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحَسنة ووسام نجمة الشرف ووسام الجدارة الذهبي ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان، ووسام الكوكب الأردني طبقة أولى.
من أقواله المأثورة "مكان الجنرال وسط جنوده بالمعركة"، كانت أهم كلمات الراحل قبل أن يذهب يوم 9 آذار/ مارس لتفقّد أحوال الجنود على خط النار "المعدية رقم 6" الواقعة على شط القناة مباشرة، بعد معركة كبّدت العدو خسائر كبيرة. "لا تسرع في قرارتك وحينما تقرّر لا تتراجع أو تتردّد، وكن بين جنودك في أحلك الظروف ولا يرون منك علامات القلق والارتباك" قالها الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض في إحدى اللقاءات النادرة له.
خمسون عاماً.. بعدها تواصل إسرائيل بناء علاقات مع دول عربية وخليجية خارج إطار العلاقات الرسمية المُعلنة على مستوى التمثيل الدبلوماسي المتبادل، والاكتفاء بعلاقاتٍ تعتمد على احتمالات ردود أفعال الشارع المحلي في هذه الدول لتتراوح بين سرّية مع دول، وشبه علنية مع أخرى، وعلنية مع دول ثالثة. ولا تزال الخطوات العربية باتجاه التطبيع بين أنظمة الحُكم، وإسرائيل تتّخذ مساراً معزولاً عن مسار السلام الشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو مسار بات منفرداً عن المسار (العربي- الإسرائيلي) على العكس من مراحل سابقة ظلّت الحقوق الفلسطينية واستعادة الفلسطينيين لأراضيهم المحتلة وفق المبادرة العربية للسلام هي معيار العلاقات بين تلك الدول وإسرائيل.
يبقى أنه مهم لإسرائيل وأمنها تشكيل تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجي "الناتو العربي" لتمكين القدرات الدفاعية لدول الخليج العربية الست والأردن ومصر. لا شك أن إسرائيل حاضرة بشكل أو بآخر في بناء هذا التحالف، فلم تعد عملية السلام (العربي الإسرائيلي) تعني الدول العربية إلا بالقدر الذي تعتقد هذه الدول أنها ضرورات لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة لتجنّب الحروب العسكرية. وعليه يبقى ما كتبه نزار قباني في قصيدته "الشهيد" عقب استشهاد الفريق "رياض" من كلمات: "يا أشرفَ القتلى على أجفاننا أزهرتْ.. يا أيّها الغارقُ في دمائهِ جميعهم قد كذبوا.. وأنتَ قد صَدَقتْ.. جميعهم قد هُزِموا.. ووحدكَ انتصرتْ". لتبقى وصمة عار في جبينهم.. فهل تجد إسرائيل في بعض "المُطبّعين العرب" عنواناً لتوجيه الأنظار عن مخطّطاتها وجرائمها وللخروج من عزلتها الدولية؟.