الثنائي المهم ومستقبل العلاقات الأميركية - التركية
أعلن الرئيس ترامب أواسط الشهر الماضي عن تعيين مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد سفيراً لبلاده في أنقرة ليعكس بذلك الأهمية التي يوليها لعلاقاته مع تركيا على الرغم من الفتور، وأحياناً التوتّر الذي يخيّم على العلاقات بين البلدين لأسبابٍ عديدة وأهمها 'الغرام المتبادل' بين الرئيسين أردوغان وبوتين اللذان أجريا خلال عام 2018 فقط 19 اتصالاً هاتفياً والتقيا 7 مرات مقابل 8 اتصالات هاتفية و3 لقاءات مع الرئيس ترامب.
وليس السفير ساترفيلد غريباً عن الشارع السياسي والدبلوماسي والإعلامي العربي، إذ شغل منصب مدير مكتب الشؤون العربية الإسرائيلية في الخارجية الأميركية للفترة 1996 - 1998 ليخدم بعد ذلك في بيروت ودمشق وتونس وجدة وبغداد وتل أبيب، وتعلّم فيها العربية والعبرية. ثم عمل مقرّباً من الوزيرة كونداليزا رايس صاحبة نظرية الفوضى الخلاّقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد، وفكرة احتلال العراق وساهم في صوغ القرار 1559 ضد سوريا في لبنان. ولعب ساترفيلد عام 2004 دوراً مهماً في صوغ مشروع الشرق الأوسط الكبير وكان أردوغان طرفاً مهماً فيه.
وساترفيلد ليس يهودياً إلا أنه من صقور المحافظين الجُدُد ومُقرّب جداً من اللوبي اليهودي في واشنطن، ويتوقّع له الكثيرون أن يساهم في فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية الأميركية جنباً إلى جنب مع رئيسة المخابرات الأميركية جينا هاسبال وتاريخها في تركيا حافل بالأحداث المهمة جداً.
فقد عملت هاسبال في البعثة الأميركية في تركيا كمساعد لرئيس مكتب المخابرات المركزية في أنقرة للفترة 1998-2001 وكانت تتنقل باستمرار في دول آسيا الوسطى والقوقاز ذات الأصل التركي. ولعبت جينا دوراَ مهماً في تطوّرات تلك الفترة، حيث قامت المخابرات الأميركية بالتنسيق مع الموساد الإسرائيلي باختطاف زعيم حزب العمّال الكردستاني عبد الله أوجلان من العاصمة الكينية نيروبي وتسليمه لأنقرة في 14 شباط 1998. وقامت المخابرات الأميركية في 21 آذار 1998 بترحيل الداعية الإسلامي فتح الله جولان من تركيا إلى بانسيلفانيا، حيث ما زال هناك على الرغم من مطالبة أنقرة المتكرّرة بتسليمه لها بعد اتهامه بالمسؤولية في محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016. ويقبع "الماركسي" أوجلان منذ ذلك التاريخ في السجن حيث لم يستطع "العمال الكردستاني" أن يحقق أهدافه في تركيا إلا أنه أصبح قوّة لا يثستهان بها شمال شرق سوريا، من خلال وحدات حماية الشعب المدعومة من واشنطن التي يصفها الرئيس أردوغان في كل خطاب له بأنها حليف استراتيجي على الرغم من أن ترامب يردّ بأن الكرد هم حلفاؤه في سوريا.
ولعبت هاسبال دوراً مهماً في مدّ أنابيب البترول والغاز من أذربيجان إلى تركيا على الرغم من مساعي موسكو لعرقلة ذلك، وعرقلة التقارب الأميركي مع جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الإسلامية الحديقة الخلفية لروسيا.
وفاجأت جينا الجميع عندما وصلت أنقرة فجأة في 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقيل أنها بحثت موضوع مقتل جمال خاشقجي ولكنها من دون شك تطرّقت لأمور أهم بكثير حسب أحاديث الإعلام التركي.
باختصار ساترفيلد من أنقرة وهاسبال من واشنطن سيلعبان معاً سلباً كان أم أيجاباً دوراً مهماً في تحديد إطار السياسة الأميركية تجاه تركيا، وبشكل خاص الرئيس أردوغان الذي يعرف جيداً أنه من دون الدعم الأميركي له فلن يكون سهلاً عليه الاستمرار في السلطة وتطبيق مشاريعه الداخلية والخارجية، بما في ذلك أسلمة الأمّة والدولة التركية وحل المشاكل الاقتصادية والمالية الخطيرة التي يعرف الجميع بأنها تهدّد مستقبله السياسي، وإذا لم ينجح في إقناع المؤسّسات المالية العالمية للحصول منها على قروض عاجلة تساعده على تسديد مستحقات الديون الخارجية ووصلت إلى 460 مليار دولار.
ويبقى الرهان على نجاحات هاسبل وساترفيلد ودورهما المُحتمل في التأثير على الرئيس ترامب وقراراته المفاجئة الخاصة بالرئيس أردوغان، ويعرف الجميع أنه ليس سهلاً عليه أن يتخلّى عن أميركا كما أنه من الصعب جداً على أميركا أن تتخلّى عن تركيا لما لها من أهمية جيواستراتيجية. هذا بالطبع إذا لم يكن في حقيبة الثنائي هاسبل وساترفيلد مفاجآت أخرى لها علاقة برسم خارطة المنطقة ربما لخمسين سنة قادمة بالرئيس أردوغان أو من دونه، ولكن بإسرائيل التي طالما خدمها السفراء الأميركان في أنقرة ومعظمهم من اليهود كالصهر كوشنير الذي التقى أردوغان 27 شباط في أنقرة ويرافقه المنسّق الأميركي لشؤون إيران وحضر اللقاء صهر الرئيس أردوغان ووزير ماليته برات البايراك فقط.
كل ذلك مع استمرار الاتصالات واللقاءات المتبادلة حيث أجرى ترامب وأردوغان 3 اتصالات هاتفية خلال الشهرين الماضيين مقابل 4 اتصالات بين وزيري الخارجية؟ وزار جون بولتون أنقرة مقابل زيارة وزير الدفاع ورئيس الأركان التركيين إلى واشنطن ليقول أردوغان أنه سيزور واشنطن بعد انتخابات نهاية الشهر، أو أن ترامب سيزور تركيا على أن تكون صواريخ أس 400 الموضوع الرئيسي الذي بحسمه ستنجح واشنطن بإبعاد تركيا عن روسيا وبعدها إيران حتى لو كان ذلك على حساب كرد سوريا.
وقد تكون صواريخ باتريوت وطائرات أف 35 ومروحيات سكورسكي رشوة ترامب لأردوغان الذي إن وافق على الإغراءات الأميركية فما عليه ألا يبخل بدوره على صديقه ترامب في أماكن وأمور أخرى جاء من أجلها جيمس جيفري أنقرة في 4 آذار للاتفاق على ما هو قادم في سوريا وعبرها في المنطقة عموماً!