عُمان ...الرِهان الخاطىء!
في مُحادثةٍ خاصة مع مسؤولٍ كبيرٍ في البحريةِ الأميركيةِ عام 2008 يُنقل عن السلطان قابوس بن سعيد قوله في ما يخصّ العلاقة بين الدول الخليجية وإيران ، أن الأخيرة "دولة كبيرة ولديها قدرات ويجب علينا أن نتعامل معها. ولكن ما دامت الولايات المتحدة في الأفق، فإننا لا نهاب شيئاً".
بناء على هذا التصريح يقول البروفيسور البريطاني كريستوفر ديفيدسون في كتابه "ما بعد الشيوخ"، "إن سلطان عُمان بدا أكثر واقعية من حكّام الدول المجاورة تجاه إيران، وهو أمرٌ لا يدعو للدهشة لكونه الحاكِم الذي تولّى المنصب لأطول فترةٍ في المنطقة وحظيَ بخبرةٍ واسعةٍ في التعامُل مع إيران قبل الثورة وبعدها".
نستذكر هذا الكلام لأن سياسة عُمان الخارجية العالِقة في أذهان الكثيرين، هي تلك التي لعبت دوراً أساسياً وإيجابياً في الوصول إلى الاتفاق النووي الإيراني، إذ إن دورها تخطّى الوساطة في نقل الرسائل المُتبادَلة بين الإيرانيين والأميركيين بأمانةٍ إلى دور المُيّسر للاتفاق في كثيرٍ من مراحله.
ونستذكر هذا الدور لنقول أيضاً بأنه لم يكن ليُلعب لولا العلاقات الاستراتيجية مع كلٍ من الولايات المتحدة وإيران على حدٍ سواء. ولكن هل هذه هي الحال مع إسرائيل التي قام رئيس وزرائها بزيارةٍ مُفاجئةٍ لمسقط ولقائه السلطان بعد أن قصدها الرئيس الفلسطيني قبل يومين فقط؟!
يقول وزير الخارجية العُماني في مؤتمر "حوار المنامة" الـ14 للأمن القومي ، بأن "دور السلطنة في إحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتوقّف على ما تقـوم به الإدارة الأميركية في صفقة القرن، وإن بلاده ليست وسيطاً بين إسرائيل وفلسطين لكنها تساعد على تقارُب الطرفين".
ولذلك نرى أن من المهم التذكير بسياسة الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب من خلال استعراض استهدافتها المباشرة وغير المباشرة لما يُعرَف بالقضية الفلسطينية. لقد قال ترامب قبل شهر تقريباً إنه يريد الكشف عن خطّة سلام في غضون شهرين أو ثلاثة ، وإنه "يروق له حلّ الدولتين.. لأنه الأفضل" باعتقاده. ولكن يبقى القول قولاً طالما الأفعال تُناقضه.
منذ وصول الرئيس الحالي إلى البيت الأبيض عمل على فرضِ واقعٍ جديدٍ يكون بمثابة الأرضية لأية مفاوضات تسوية قد تحدث. الرجل يمسّ بخطواته جوهر قضايا الحل النهائي كالقدس واللاجئين وحق العودة. من الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل إلى نقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها ، من منطلق إزاحتها عن أية مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية بحسب قوله هو، إلى تقليص المساعدات المالية للأونروا وقطعها بالكامل في ما بعد في محاولة لنزع صفة اللاجىء عن ملايين الفلسطينيين، وربما ليس آخراً، قطع المساعدات المباشرة وغير المباشرة عن خزينة السلطة الفلسطينية التي استُهدِفت بعُمقٍ من خلال إقفال مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
وكما تعمل الإدارة الأميركية على خط القدس واللاجئين ، تقوم إسرائيل بتثبيت هذه القرارات والخطوات الأميركية بدعائم أرضية، لعلّ أهمها على الإطلاق هو التوسّع الاستيطاني وتهويد القدس. وهنا نشير إلى مُعطيين جديدين لا أكثر، بحسب حركة "السلام الآن" الإسرائيلية "إن البناء الاستيطاني في المستوطنات تضاعف ثلاث مرات في الربع الثاني من عام 2018 مقارنة بالربع الأول". وعلى المسار نفسه صادقت الحكومة الإسرائيلية مؤخّراً على بناء أكثر من 20 ألف وحدة استيطانية في مستوطنة "معاليه أدوميم" شرقي القدس المحتلة.
كل هذا يأتي بعد أشهرٍ فقط على مُصادقةِ الكنيست على قانون "القومية اليهودية" والخطورة التي تضمّنها من أن إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وحصرّية تقرير المصير للشعب اليهودي.
أما على صعيد البيت الفلسطيني، فالكل أصبح يعلم مدى عُمق الإنقسام رغم الحديث المُتواصل عن مساعي المُصالحة، والإنقسام لا يعني سوى الضعف بصريح العبارة.
بناء على ما تقدّم، يحقّ لنا أن نسأل ما الذي تتوقّعه مسقط من إدارة ترامب التي تعلن انحيازها الكلامي والفعلي لإسرائيل أن تُقدّم للفلسطينيين؟ ما الذي يمكن أن تحمله عملية "سلام" جديدة تحمل عنوان "صفقة" بما تختزنه من بيعٍ وشراءٍ ومساومات؟ وما هو رأي مسؤولي السلطنة بقول نتنياهو بأن الإنفتاح على العالم العربي وتطبيع العلاقات معه سيقود إلى السلام مع الفلسطينيين؟
بشعورٍ قارَبَ الخيبة، تابع العالم العربي المشهد السوريالي، من الدوحة إلى أبو ظبي فمسقط. فجأة بدا وكأننا نعيش في عالمٍ لا نعرف ما الذي يدور على رحاه. فجأة بدا وكأن مقولة "السياسة فن المُستحيل" ثابثة لا تتزعزع. ولكن ما هي إلا ساعات قليلة أعادت خلالها الميادين توجيه البوصلة والقول بأن كلمة الفصل هي لي. إذ أصرّ قطاع غزّة بأهله على إظهار إرادة الصمود والتصدّي ، في حين أصرّ الجولان المحتل بأهله على التمسّك بأرضه ورفضه المُطلَق للمحتل.
في المُحصّلة، كلمة لسلطنة عُمان التي نحبّها بصدقٍ نقول بعض الجسور تحتاج شعوباً لتُبنى ... أوليست مصر والأردن مثالاً...