ترامب يضع عينه على النفط الخليجي وليس السعودي وحده
يكفي ما قاله ترامب "أنا أحب المملكة السعودية، واليوم تحدّثت مطوّلاً مع ملكها سلمان بن عبد العزيز وقلت له أيّها الملك "لديك تريليونات الدولارات ومن دوننا لا أحد يعرف ماذا قد يحصل؟". ويمكن تفسير ما حدث من شدٍ وجَذْبٍ (أميركي-سعودي)، جاء كمرحلةٍ نحو دفع فاتورة كارثة اليمن، من (الحديدة إلى صعدة)، وأوضاع تحالف هناك لا يعلم أحد لماذا ذهب ومتى يرحل؟، لكن ترامب يعلم، ويريد ثمن غضّ النظر عن هذه الكوارث، وقد حان وقت الحساب، واليوم السعودية وغداً باقي العرب في الخليج.
بكلماتٍ أثقل من الجبال نطقَ ترامب قائلاً "ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك، لأن المملكة ستتعرّض للهجوم، لكن معنا هي في أمانٍ تامٍ، في المقابل نحن لا نحصل، على ما يجب أن نحصل عليه، نحن ندعم جيشكم". وسبقها في 20 آذار/ مارس 2017، قائلاً "إن المملكة ستعطينا بعضاً من ثروتها". وإن كانت بداية "النفط مقابل الحماية"، أقرّها لقاء جمَعَ روزفلت وعبد العزيز على متن الطرّاد كوينسي 1945. عندها جاءت الوراثة الأميركية لتركَة بريطانية في الخليج. وأخذت على عاتقها حماية المملكة من التهديدات الخارجية والداخلية التي يتعرّض لها الحُكم.
ما أن تولّى سلمان حُكم المملكة، حتى دخلت العلاقات منعرجاً حاداً تصوّره البعض أنه قد يُغيّر من مجراها في السنوات المقبلة بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، وهو الأمر الذي رآه البعض بأن الرياض ستكون مُجبَرة مستقبلًا على تنويع حلفائها، وفسّره البعض بتقارُب (أميركي-إيراني) على حساب العلاقات (السعودية-الأميركية). ومضت أيام الاعتماد الأميركي الكامل على النفط السعودي. هنا ترامب جاء ليتفنّن في حَلْبِ المنطقة، بعد وصف الحُكّام السعوديين بأنهم أكبر مموّلين للإرهاب في العالم، بدا مختلفاً تماماً، بل مُتناقضاً، في خطابه عن التسامُح السعودي. وإن كان أحيانًا مُتضارباً أو يخضع للتعامل المزدوج تجاه النشاط الإرهابي.
في الوسط يبقى أن اقتصاد المملكة يحاول النجاة من فخّ انخفاض أسعار النفط، بالتنوّع الصناعي، وإن جاءت خيبة الأمل مع وليّ العهد لتحقيقه. وحيث لم تستطع المملكة ومنذ عدّة عقود الإفلات من قبضة هذا النفط، لدرجةٍ أنها أصبحت رهينة له، والأدلّة كثيرة، منها توقّف عجلة كثير من المشاريع بعد أن أوقف سلمان محاولات نجله بيع أسهم في شركة أرامكو، فضلاً عن هرب المستثمرين من البلاد لكونها أصبحت مكاناً غير آمن بالنسبة لهم ولأموالهم بعد حملة الاعتقالات التي نفّذها وليّ العهد بحقّ تجّار العائلة وخارجها، وهذا ما أثّر ويؤثّر على اقتصادها.
لا شك أن المملكة تعيش أياماً صعبة من كلِ النواحي، فبالإضافة إلى الوضعِ الاقتصادي الداخلي السابق، هناك مُعاناة خاصة لديها من طرفِ ترامب، الذي لم يراعِ خصوصيّتها وكشف أوراقها على الملأ من دون أن يخشى شيئاً، ولايزال يُكرّر لتسويق فكرة أن آل سعود مع كل ملياراتهم لا يمكنهم الاستمرار في الحُكم لحظة واحدة. فالعلاقات تدهورت سريعاً ككرةِ ثلجٍ نحو الهاوية، فجديد ترامب جاء من ولاية فيرجينا، حيث كشف عن تفاصيل اتصاله بالملك السعودي، قائلاً "لماذا ندعم جيوش هذه الدول الغنية؟ أمر مختلف أن نقدّم الدعم لدولٍ تعيش وضعاً صعباً وخطراً مع فظائع قد تؤدّي إلى مقتل الملايين، لكن عندما تكون هناك دول غنية، كالسعودية واليابان وكوريا الجنوبية، لماذا إذن ندعم جيوشها؟، لأنهم سيدفعون، المشكلة أنه لا أحد طالَب بذلك".
وكثيراً ما طالب ترامب بخفضهم لأسعار النفط، حيث أن أميركا "تدافع عن العديد من الدول مقابل لا شيء، وهي تستفيد من ذلك لفرض أسعار نفط مرتفعة، هذا أمر غير جيّد، نريدها أن تتوقّف عن رفع الأسعار... والبدء في خفضها، كما يتعيّن عليها المساهمة بشكل ٍكبيرٍ من الآن فصاعداً في جهود الدفاع".
في حال أُجبرت المملكة على خفض سعر النفط، فهذا الأمر سيُدخلها في أزمةٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ قد تنتج منها حملة تقشّف جديدة. فهي عاجزة عن حماية نفسها من دون دعم أميركا، وهذا الأمر سيكلّفها الكثير في المستقبل، لكونها ستكون مُجبَرة على تنفيذ جميع مطالب واشنطن من دون أن تنبس ببنت شفة. ولنا عبرة من "صفقة القرن" إلى "الناتو العربي" و"الحرب اليمنية" و"فوبيا إيران وقطر" هذه الملفات الأربعة تستخدمها واشنطن كالشمّاعة لسحب أموالهم وضمّها للخزانة الأميركية، عبر مشاريع استثمارية بملايين الدولارات في أميركا أو عبر صفقات الأسلحة التي تستنزف اقتصاد المملكة من دون أن تحقّق حماية مستقلّة.
يبقى أن ما أراد قوله ترامب للعالم أجمع إن هذا البلد النفطي لا يستطيع الانفكاك عن الحضن الأميركي، ولكن لماذا ظهرت المملكة بكل هذه الهشاشة في خطابه؟، عِلماً أن الجبير، سبق أن أكّد بأن المملكة ليست جمهورية من جمهوريات الموز، في معرض حديثه عن الأزمة مع كندا، والسؤال الآخر هل يستطيع الجبير أن يقول نفس الكلام لأميركا؟. فوكالة "واس" السعودية أعلنت بدء سلمان جلسة مجلة الوزراء، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، بإطلاع المجلس على فحوى اتصاله الهاتفي بالرئيس الأميركي وما تم خلاله من بحثٍ للعلاقات المُتميّزة وسُبل تطويرها في ضوء الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. فعن أيّ تميّز يتحدّثون، وهل هناك ما يرقى إلى علاقات أصلًا على نحو ما سلف؟.
يكفي ما قاله ترامب "أنا أحب المملكة السعودية، واليوم تحدّثت مطوّلاً مع ملكها سلمان بن عبد العزيز وقلت له أيّها الملك "لديك تريليونات الدولارات ومن دوننا لا أحد يعرف ماذا قد يحصل؟". ويمكن تفسير ما حدث من شدٍ وجَذْبٍ (أميركي-سعودي)، جاء كمرحلةٍ نحو دفع فاتورة كارثة اليمن، من (الحديدة إلى صعدة)، وأوضاع تحالف هناك لا يعلم أحد لماذا ذهب ومتى يرحل؟، لكن ترامب يعلم، ويريد ثمن غضّ النظر عن هذه الكوارث، وقد حان وقت الحساب، واليوم السعودية وغداً باقي العرب في الخليج.