ما يغري نتنياهو وما يردعه في "لعبة" الحرب على لبنان
نتنياهو الكاذِب والفاسِد يحظى بشعبيةٍ كاسحةِ في إسرائيل، تساعده على شنّ الحرب لأسبابٍ كثيرةٍ بعضها شخصي متّصل بتورّطِهِ في صفقاتٍ فاسدةٍ وهذا ما أشار إليه ستة من رؤساء الموساد السابقين الذين أكّدوا أن إسرائيل في عهده، باتت في خطرٍ غير مسبوق، بل وصل الأمر بزيفي زامير( كان رئيساً للموساد في الفترة من 1968 إلى 1974) إلى حد القول إن "نتنياهو يذهب بإسرائيل نحو القبر" .
هل تقع حرب إسرائيلية على لبنان ؟ هذا السؤال ما زال مطروحاً منذ العام 2006 لكنّه بات مُلحّاً هذا العام أكثر من ذي قبل وبخاصةٍ في الأيام الفائتة.
ليس بوسع أحدٍ أن يُقدّم إجابة قاطِعة إلا الطرف الإسرائيلي الذي يضمر العدوان. وكل جواب آخر لا يعدو كونه احتمالاً قريباً أو بعيداً عن واقع الحال وهذا لا يضعف قيمته بالضرورة.
الاحتمال الأول يبدأ بوجود بنيامين نتنياهو على رأس الدولة الصهيونية، فهو مؤدلَج على عقيدة المُنَظّرِ الصهيوني زئيف جابوتنسكي صاحب عبارة "الاستيطان يتمّ بالقوّة وليس بالتفاوض" وهو أول مَن اقترح جدار الفصل، والاستيطان الشامل، واحتقار الفلسطينيين والعرب إذ يقول " هم يتخلّفون عنا بخمسة قرون " نتنياهو الإبن الشرعي لبيغين وشامير ولقادة إسرائيل الذين عرضوا التفاوض مع العرب من أجل كسب الوقت، ومن ثم اللجوء إلى الحرب لضمّ أراضٍ جديدة واستيطانها. حَرَّضَ على قتل رابين وأدلى عام 2002 بشهادةٍ كاذبةٍ في الكونغرس الأميركي عندما قال حرفياَ عن "النووي" العراقي المزعوم " قبل سنوات كان بوسعنا وقف البرنامج النووي العراقي عبر ضربة جوية، اليوم بات الأمر يتطلّب تفكيك نظام صدّام حسين" وكانت شهادته حجّةً إضافية لدى بوش الإبن لشنّ حربٍ على العراق وتدمير دولته. نتنياهو كذب مراراً حول البرنامج النووي الإيراني واستخدم ذرائع مُضلّلة في العام 2012 حتى لا يفوز أوباما الذي وقَّع اتفاقاً مع إيران عام 2015. نتنياهو ساعد دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة وكان له ما أراد، فقد أعطاه ترامب القدس وانسحب من الاتفاق، وهو يعمل اليوم مع صقور الإدارة الأميركية وبخاصةٍ بولتون وهايلي وبومبيو، من أجل حمايته أو الاشتراك معه في حربٍ على لبنان لتفكيك المقاومة اللبنانية.
بعد غارته الفاشلة على اللاذقية والتي تسبّبت في نشر منظومة أس 300 الروسية في سوريا، بات رئيس الوزراء الصهيوني بحاجةٍ ماسةٍ لانتصارٍ في مواجهةٍ مع أعداء دولته.
نتنياهو الكاذِب والفاسِد يحظى بشعبيةٍ كاسحةِ في إسرائيل، تساعده على شنّ الحرب لأسبابٍ كثيرةٍ بعضها شخصي متّصل بتورّطِهِ في صفقاتٍ فاسدةٍ وهذا ما أشار إليه ستة من رؤساء الموساد السابقين الذين أكّدوا أن إسرائيل في عهده، باتت في خطرٍ غير مسبوق، بل وصل الأمر بزيفي زامير( كان رئيساً للموساد في الفترة من 1968 إلى 1974) إلى حد القول إن "نتنياهو يذهب بإسرائيل نحو القبر" .
الاحتمال الثاني يتّصل بتطوّرات الحرب في سوريا ومنها يتّضحُ أن محور المقاومة الذي بُنِيَ على مواجهةِ إسرائيل يستعدّ للاحتفال بانتصارهِ في الحربِ الدوليةِ على سوريا، هذا الانتصار الذي يجعله قطباً في الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزه في قضايا السلام والحرب ، وهذا ما لا تطيقه إسرائيل التي سيكون عليها العيش في ظلّ موازين قوى جديدة لا تتمتّع فيها بهوامش واسعة للمناورة.
الاحتمال الثالث يكمُن في أن كل المحميات الأميركية في الشرق الأوسط وعلى رأسها إسرائيل تحتاجُ إلى حربٍ تعيق أو تَحولُ دون انسحاب أميركا من المنطقة، حربٌ تُضْعِفُ إيران وُشركاءَها في محور المقاومة. حربٌ تعوِّضُ عن الانتصار السوري الكبير وتُتيح رسمَ جغرافية سياسية للمنطقة بأدواتٍ صهيو أميركية. حربٌ تضعف لبنان أو اليمن أو الإثنين معاً وهذا لا يتمّ من دون ثقل أميركي وازِن. ومن غير المُستبعَد أن تشنّ إسرائيل حرباً على لبنان تستند فيها إلى تدخّلٍ أميركي مباشر وإلى ضغوطٍ دوليةٍ واقليميةٍ تُرسي مُعطيات جديدة قاهِرة على الأرض.
الاحتمال الرابع ينطلق من أن إسرائيل لا يمكن أن تتعايش مع بلدٍ مُعادٍ على حدودها، يتمتّع بمقاومةٍ مظفرةٍ وغير قابلة للاختراق ومُحصّنة ضدّ الفتنة الطائفية ، ويمتلك احتياطاً مهماً من النفط والغاز يدخل في حساب العداء مع الكيان العبري. ناهيك عن إصرار اللبنانيين على تسويق نفطهم وغازهم من دون ترسيم الحدود مع تل أبيب وشلِّ يدها عن التصرّف بالحقوق اللبنانية على هواها. إن حرباً خاطِفة أو طويلة يجب أن تنتهي، في عُرْف نتنياهو، برسم حدود للطاقة بين البلدين تأمل إسرائيل أن تكون لصالحها.
الاحتمال الخامس يُبنى على اعتقادٍ إسرائيلي بأن العالم العربي مُنهَكٌ بسبب الخراب الذي نجم عما يُسمّى ب"الربيع العربي" ، هذا فضلاً عن الخراب الذي عمَّ العالم الإسلامي جرّاء الفتنة السنّية الشيعية. وترى الدولة الصهيونية أن حرباً ضد حزب الله ستكون شبيهة بالحرب التي يشنّها التحالف السعودي ضدّ أنصار الله في اليمن ولكن بوقتٍ أقلّ بكثير. إن حربين على محور المقاومة في آنٍ واحدٍ يمكن أن تضعفا هذا المحور وتتيحان في الحد الأدنى استدراجه اضطراراً إلى طاولة المفاوضات وتقييده باتفاقات لمدى زمني طويل.
هذه الاحتمالات وسواها قد تُغري إسرائيل بشنّ حربٍ على لبنان وهي تبدو جذّابة للوهلة الأولى لكن جاذبيتها تضعف تدريجاً إذا ما تعمّقنا في احتمالات مقاومة العدوان التي قد تصل إلى اجتياح الجليل وبالتالي تحقيق انكشاف عسكري إسرائيلي غير مسبوق، ناهيك عن هلَعٍ سكّاني شبيه بهلَع المستوطنين الفرنسيين في الجزائر عام 1962. أضف إلى ذلك، احتمال اشتراك كل أطراف محور المقاومة في الحرب مع ما يعنيه من اضطرار الدولة العبرية إلى خوض حروب على كل الجبهات مع مقاومات مُجرَّبة. أما حديث حزب الله عن مُفاجآت لجهة أساليب ووسائل الردّ على الحرب الصهيونية فمن شأنه أن يُغيِّرَ مسار الحرب ويحوّلها من حربٍ دفاعيةٍ إلى حربٍ هجوميةٍ. تبقى إشارة إلى الرأي العام العربي والإسلامي الذي تبيّن في أكثر من مناسبة أنه سيشتعل تأييداً للمقاومة ابتداء من اللحظة التي يتبيّن من خلالها أنها تردّ على العدوان صاعين وأكثر.. يبقى أن وقع الصواريخ الإيرانية الأخيرة على داعش ربما يكون مفيداً في تبريد أعصاب نتنياهو وبولتون وحَمْل سائر المُغامرين على الاتّعاظ بالمخاطر المُحتملة.
في السنة الأولى من الحرب العالمية الثانية ما كان بوسع أحد أن يُراهن على خسارة النازية بدولارٍ واحدٍ، وفي حرب الجزائر أصيبت المقاومة عشيّة الاستقلال بخسائر هائلة. والسؤال اليوم هو أين النازية وأين الأقدام السود الجزائريين؟! لقد انتهى منذ زمنٍ بعيدٍ الوقت الذي تنتصر فيه إسرائيل على العرب ب 6 ساعات، وما عاد العرب يتخلّفون عن الصهاينة بخمسة قرون ولعلّ "عُقلاء" الكيان يمسكون بأصابع نتنياهو قبل فوات الأوان حتى لا تشدّ على الزناد.