"أس 300" في سوريا: إذا أشعلت "اسرائيل" حرباً في المنطقة هل ستهدد روسيا بالنووي؟

المشهد السوري اليوم بالنسبة لروسيا يشبه في آن واحد المشهد المصري والكوبي والفيتنامي بالنسبة للاتحاد السوفيتي. في كل مشاهد الماضي خرج الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه منتصرين. واليوم روسيا تنتصر مع حلفائها في المشهد السوري. كل ذلك يشير إلى أن أحداثاً تاريخية كثيرة يمكن أن تتكرر مع خصوصياتها المرحلية لأن من طبيعة الانسان أن يكرر أخطاء اسلافه.

سيناريو تراجع روسيا عن قرار تسليم سوريا "أس 300" تحت ضغط اللوبي اليهودي في روسيا والتهديدات الأميركية بفرض المزيد من العقوبات

*بعد ستةِ عقود على العدوان الثلاثي. هل التاريخ يعيد نفسه؟

من عاصرَ العدوان الثلاثي الذي شنته "إسرائيل" وبريطانيا وفرنسا على مصر في نهاية عام 1956 على خلفية تأميم قناة السويس يتذكر كيف كان الردُّ السوفيتي حاسماً لإيقافِ ذلك العدوان. الزعيم السوفيتي آنذاك نيكيتا خروشوف هدد بإلقاء قنابل ذرية على كل من باريس وتل أبيب ولندن إن لم يوقف الثلاثي عدوانه فوراً ويسحب قواته من الاراضي المصرية المحتلة. هذا ما حصل فعلاً، وآخر جندي "إسرائيل" انسحب من سيناء وغزة في نيسان / أبريل عام 1957. آنذاك أرعبت الهراوة النووية السوفيتية المعتدين الغربيين والاسرائيليين وأرغمتهم على التقهقر.

هل ثمةَ شيءٌ مماثلٌ مرجحٌ لان يتكرر بعد ستةِ عقودٍ على تلك الأحداث الدراماتيكية؟ قد يقول قائلٌ أن الظروف الدولية الآن تختلف عن تلك التي كانت آنذاك: روسيا ليست بحجم الاتحاد السوفيتي، عقد حلف وارسو انفرط، روسيا تقاتل على جبهتين في أوكرانيا وسوريا، عقوبات اقتصادية، عزلة دولية الخ.

في الواقع روسيا المعاصرة استطاعت أن تستقطب نصف جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وتقيم معها شراكات في تكتلات إقليمية مهمة كالاتحاد الاقتصادي الأوراسي. أما الجمهوريات التي تتميز علاقاتها مع روسيا بالفتور، مثل أوكرانيا وجورجيا وجمهوريات البلطيق، فلا تزال تعتمد على روسيا بشكل كبير اقتصادياً وتجارياً وفِي مجال الطاقة. حلف وارسو الذي تشكل في عام 1955 لم يكن في بداية عهده قوياً بما فيه الكفاية لمواجهة حلف شمال الأطلسي الذي تشكل في عام 1947. الحرب العالمية الثانية التي تسببت في دمار شامل وملايين القتلى في الاتحاد السوفيتي لم يمض على انتهائها سوى 11 عاماً. الجيش السوفيتي كان يقاتل فلول العصابات النازية وفصائل الخونة في غابات أوكرانيا وجمهوريات البلطيق. كما كانت موسكو تواجه تمرداً سياسياً وعسكرياً مدعوماً من الغرب في المجر (هنغاريا). الا أن الاتحاد السوفيتي صمد وتصدى على الرغم من الظروف القاسية في ظل العقوبات الغربية والحرب الباردة. لذلك فان ما تمر به روسيا اليوم ليس أقسى مما واجهه الاتحاد السوفيتي قبل ستة عقود. لدى روسيا اليوم حلفاء في منظمة الامن الجماعي، وحلفاء في منظمة شنغهاي للتعاون، وحلفاء يقاتلون معها في سوريا مثل ايران، ودول صديقة في كل القارات ذاقت الأمرّين من الغطرسة الأميركية في ظل عالمٍ احادي القطب.

المشهد السوري اليوم بالنسبة لروسيا يشبه في آن واحد المشهد المصري والكوبي والفيتنامي بالنسبة للاتحاد السوفيتي. في كل مشاهد الماضي خرج الاتحاد السوفيتي وحلفاؤه منتصرين. واليوم روسيا تنتصر مع حلفائها في المشهد السوري. كل ذلك يشير إلى أن أحداثاً تاريخية كثيرة يمكن أن تتكرر مع خصوصياتها المرحلية لأن من طبيعة الانسان أن يكرر أخطاء اسلافه.

 

*سيناريوهات تطور الاحداث بعد تسليم "أس 300" لسوريا

  • سيناريو ارتداع "إسرائيل". وفق هذا السيناريو فان "إسرائيل" ستكف عن تكرار العدوان على سوريا بعد تسلم الأخيرة أنظمة صواريخ "أس 300" وتلقيها التحذير الروسي من العواقب الوخيمة التي ستترتب على أي عدوان جديد تشنه. لكن هذا الاحتمال ضعيف، كما يعتقد عضو أكاديمية العلوم الصاروخية والمدفعية العميد البحري قسطنطين سيفكوف، لأنه لا ينسجم مع العقيدة العدوانية للكيان الصهيوني ويمكن ان يؤدي الى ازمة سياسية داخلية في "اسرائيل".
  • سيناريو تراجع روسيا عن قرار تسليم سوريا "أس 300" تحت ضغط اللوبي اليهودي في روسيا والتهديدات الأميركية بفرض المزيد من العقوبات. لكن هذا السيناريو، وفق رئيس معهد القضايا الجيوسياسية للدراسات الفريق ليونيد ايفاشوف، هو الاخر مستبعد لانه سيكون بمثابة صفعة قوية لهيبة الدولة الروسية وشخص الرئيس فلاديمير بوتين، كما أنه سيؤلب الجيش على القيادة السياسية، ويمكن أن يؤدي الى زعزعة النظام السياسي في البلاد. ويقول الجنرال ايفاشوف ان معركة التأثير على القرار السيادي في روسيا ما زالت في بداياتها ولا يمكن استبعاد اي نتيجة لها مستقبلاً. لكن فِي الواقع روسيا بدأت عملياً إرسال مكونات "أس30" الى سوريا.
  • سيناريو إعادة تشغيل آلية عدم الاحتكاك بين روسيا و "اسرائيل". من الطبيعي ان تحاول تل أبيب الآن إعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل أزمة "أيل 20". لذا تقول إنها سوف تستمر كالسابق في تنسيق أنشطة سلاحها الجوي مع روسيا ولن تتراجع عن توجيه ضربات لسوريا. لكنه من المستحيل ان تعود روسيا خطوة الى الوراء من دون عواقب ل"اسرائيل"، لان هذا السيناريو لا يختلف عن السيناريو الثاني. ويجب ان لا ننسى بان قرار التصدي للعدوان هو قرار سوري. وكما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فان موسكو تنتظر ضمانات اضافية تتمثل في وضع قاعدة جديدة لعدم الاشتباك (تختلف عن آلية عدم الاحتكاك)، على غرار ما تملكه مع الولايات المتحدة. ولولا كل هذه المطالب فلمَ أرسلت روسيا "اس 300" الى سوريا؟ وهذا السيناريو يقود تلقائيا الى سيناريو الارتداع.
  • سيناريو عدم الاحتكاك الجوي. الكيان الاسرائيلي بطبيعته العدوانية لا يمكن ان يتوقف عن اعتداءاته على سوريا. وتفاديا للخسائر الحتمية في سلاحه الجوي وطياريه، ستضطر تل ابيب للجوء الى أساليب اخرى كإرسال مخربين او الاستعانة بخونة، لكن هذا الأسلوب محفوف بالمخاطر وقد يكلف الكيان الاسرائيلي خسائر في الأرواح. عندئذ يبقى أمامها استخدام الصواريخ المجنحة، على سبيل المثال صواريخ "دليلة". لكن نجاح الدفاع الجوي السوري في التصدي لهذه الصواريخ في عدوان شباط / فبراير الماضي، اي حتى قبل امتلاك دمشق لانظمة "أس ٣٠٠"، سيجعل هذه الصواريخ لقمة سائغة للسوريين. ومن الناحية العسكرية لن تتحقق النتيجة المبتغاة. عندئذ ستضطر "اسرائيل" للاستنجاد بالغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، لتستخدم هي الاخرى صواريخ "توماهوك" و "كروز" وغيرهما. وبرأي العميد البحري سيفكوف فان دخول واشنطن على خط العدوان سيؤدي الى ردة فعل قوية ليس فقط لدى الجانب السوري، بل ولدى كل من روسيا وايران، وكاستمرارية طبيعية، لدى فصائل المقاومة، وفِي مقدمها "حزب الله". وهذا سيشعل فتيل حرب كبيرة في المنطقة تفضل واشنطن وموسكو تجنبها.
  • سيناريو الصدام الروسي الاسرائيلي المباشر. رعونة اسرائيل وصلفها قد يدفعانها الى ارتكاب حماقة كارثية. ايمانا منها بانها يمكن ان تكرر العدوان باستخدام احدث ما لديها من تقنيات عسكرية، كالمقاتلة "اف -35"، تل ابيب يمكن ان تهاجم سوريا مستخدمة وسائل تشويش على الرادارات الروسية. ويرافق ذلك إطلاق صواريخ مجنحة من داخل الاراضي الاسرائيلية وبحرا من السفن الاسرائيلية. في هذه الحالة ستضطر روسيا للتعامل مع الأهداف الاسرائيلية وتسقط طائرات اسرائيلية وتقتل او تأسر طيارين اسرائيليين. وفِي تصور العميد البحري سيفكوف، فان "اسرائيل" ستحاول الانتقام، لذا ستتعمد في مهاجمة أهداف روسية في سوريا، اي سيتحول العدوان على سوريا الى صدام مباشر مع روسيا. الاطراف الاخرى، مثل ايران والمقاومة، سيمطرون الكيان الاسرائيلي بالصواريخ. تل ابيب ستهدد باستخدام السلاح النووي ضد ايران. واشنطن تتدخل لإنقاذ اسرائيل ويصبح الصدام العسكري الاميركي الروسي شبه مؤكد. موسكو هي الاخرى تذكّر الآخرين بعقيدتها العسكرية التي تسمخ باستخدام السلاح النووي ان لم يفِ السلاح التقليدي بغرض ردع المعتدين، وخاصة ان حجم القوة التي تملكها في سوريا لا يكفل لها التوازن العسكري مع العدو. هذا السيناريو، كما أشرنا أعلاه، يذكرنا مرةً واحدةً بثلاثة سيناريوهات: العدوان الثلاثي على مصر، وازمة الكاريبي، وحرب الفيتنام.

المنطق يقول إنه بالرغم من دعم إدارة دونالد ترامب الكامل للكيان الاسرائيلي، الا أن الرئيس الأميركي الذي يتعامل مع الأمور بعقلية تجارية ويضع القضايا الداخلية فوق كل الأولوياتِ الخارجية، لن ينساق وراء مغامرات بنيامين نتنياهو، الذي يجازف بجر اميركا وروسيا الى صدام نووي للحفاظ على كرسي رئيس الوزراء. وفِي نهاية المطاف فان "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة ما زالت تمسك بزمام القرار الاميركي.