في الذكرى الـ 48 لرحيله: لماذا تآمر آل سعود على عبد الناصر؟
رغم تباعُد الزمن على رحيله المُبكر، رحل في 28/9/1970؛ فإن جمال عبد الناصر لايزال يُلهِم الملايين من أبناء العروبة بالثورة والتغيير ورفض التبعيّة للغرب ومقاومة العدو الصهيوني، ولاتزال عشرات الأسئلة تنطلق حول سياساته ومواقفه وبخاصة ضد الأنظمة الرجعية في زمانه والتي مازال بعضها يمارس نفس الأدوار والوظائف اليوم_2018_في تفكيك المنطقة وترسيخ قِيَم التبعية ، ولعلّ النظام المَلَكي السعودي يُعدّ أحد أهم الركائز لتلك الأنظمة والسياسات التي لم تفترق مواقفها سوى في الشكل عن زمن عبدالناصر، وهو ما يجعلنا في ذكرى رحيله الثامنة والأربعين نُعيد طرح السؤال التاريخي مُجدَّداً؛ لماذا كره آل سعود عبدالناصر وتآمروا عليه إلى درجة مشاركة الكيان الصهيوني في المؤامرات والتي وصلت إلى حد التخطيط للاغتيال الجسدي وليس فحسب الاغتيال المعنوي؟
وهل الكراهية كانت ضدّ عبدالناصر فقط أم أنها كانت ولاتزال ضدّ الشعب الذي أنجبه مهما ادّعى دجّالوا الإعلام والسياسة غير ذلك؟ حول هذا السؤال المهم دعونا نجيب.
يُحدّثنا تاريخ العلاقات المصرية السعودية ووثائقه، أن علاقة آل سعود بجمال عبد الناصر، لا تنفصل بأية حالٍ من الأحوال عن علاقتهم بمصر، وكراهيتهم لجمال عبد الناصر لا يمكن فصلها عن كراهيتهم التاريخية لمصر والتي تمثّل عقدة تاريخية ثابتة ودائمة لديهم منذ إسقاط الجيش المصري بقيادة إبراهيم باشا عام 1818م لدولة آل سعود الأولى في الدرعية ، وأَسْر أميرهم وسجنه في سجن القلعة، واستمرت الكراهية حتى اليوم2018م وإن اتّخذت أشكالاً مختلفة ومتطوّرة مع طبيعة الزمان ، لذلك نجدهم لا يتورّعون عن الرقص طرباً كلما ألمَّ بهذه البلاد شر، وهو عين ما جرى بعد هزيمة 1967 حين نقلت الأنباء أخباراً مؤكَّدة عن قيام الأسرة السعودية الحاكِمة بإقامة الاحتفالات وذبح الخِراف والرقص سعادة بهزيمة مصر في تلك الحرب العدوانية عليها، إذن لا يمكن بأية حال أن نفصل بين الأمرين: كراهية عبد الناصر وكراهية مصر، ذلك كان وسيظل ديدبان حكّام السعودية واستراتيجيتهم الثابتة نحو مصر في كافة العهود. وإن كانت كراهية عهد عبد الناصر هي الأشدّ بينهم جميعاً، وذلك للأسباب التالية:
أولاً: كان عبد الناصر بالنسبة لآل سعود أشرس عدو واجهوه طيلة حُكمهم منذ إنشاء المملكة عام 1932 وحتى وفاة عبد الناصر عام 1970، وذلك لما مثله من دورٍ قومي مؤثّر ضدّ عملاء أميركا التاريخيين في المنطقة، والذين تأتي دولة آل سعود في طليعتهم، ولما مثله من تهديد جدّي لأدوارهم في المنطقة وبخاصةٍ تجاه (اليمن وفلسطين والعراق)، ومن هنا انطلقت المؤامرات السعودية ضد عبد الناصر بدءاً بتوريطه في حرب اليمن بعد ثورتها في 26/9/1962، واستنزاف جيشه فيها ليسهل بعد ذلك هزيمته عام 1967، ومروراً بالمؤامرات الانقلابية ضدّه وضدّ مشاريعه الوحدوية (مثل مشروع الوحدة السورية المصرية (1959- 1962) ودفعهم الأموال لتجنيد العملاء بما في ذلك عملاء ومرتزقة بريطانيين وإسرائيليين لضرب عبد الناصر والتآمُر على مشاريعه القومية، وانتهاءً بما نُشِرَ عن قتلهم عبد الناصر جسدياً من خلال وضع السمّ له في عِلاج المفاصل الذي كان يعاني منه عبر أطباء لهم علاقة بالسعودية آنذاك (1970).
ثانياً: لقد كشفت وثائق المخابرات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية التي نشرت حديثاً عن حقائق هامّة تتعلّق بدورٍ خطيرٍ قام به الملك فيصل بالتنسيق مع أميركا قبل حرب 1967 للتآمر على عبد الناصر وهزيمته، وكشفت عن اتصالات سرّية أجراها السعوديون بالإسرائيليين بهدف دعمهم مباشرة أو من خلال واشنطن لضرب عبد الناصر وتحجيم دوره القومي، وفرض الهزيمة المعنوية عليه بعد الهزيمة العسكرية عام 1967 وهو ما جرى فعلياً، إلا أن عبد الناصر حاول أن يقاوِم ويستردّ كرامة بلاده المهدورة ، واستطاع إعادة بناء القوات المسلّحة على أسُسٍ وطنيةٍ وعلميةٍ رفيعةٍ مكّنتها من شنّ حربِ الاستنزاف التي استمرت من 1967 حتى 1970، ثم مكّنتها لاحقاً من شنّ حربِ 1973 والانتصار فيها بعد أن اكتمل الاستعداد لها.
ثالثاً: إن التآمر السعودي على عبد الناصر ـ كما أظهرته الوثائق الغربية ـ وكما فضحته صحافة العدو الصهيوني ذاتهاـ ، عمل بالأساس على الاغتيال السياسي والمعنوي لعبد الناصر ، وامتد إلى محاولات المؤامرات المزعزعة للاستقرار الوطني العام ولشخص عبدالناصر أيضاً ، وفي هذا السياق قامت السعودية منذ 1952 وحتى 1970 بتنفيذ 11 محاولة تخريب ضد عبد الناصر ونظام حكمه، ورغم فشلها جميعاً إلا أنها تركت آثاراً سلبية على تطوّر العلاقات المصرية السعودية لم تندمل بعد.
رابعاً: إن العقدة النفسية والسياسية لدى آل سعود ضد عبد الناصر، والمصريين، والتي نسمّيها نحن ب(عقدة الدرعية ) نسبة لدور المصريين كما أشرنا في إسقاط أول دولة سعودية أسّست عام 1818 م ، ظلّت ملازِمة لهم ـحتى يومنا هذا، وهو ما يتبدّى واضحاً في طريقة تعاملهم المُهين مع العمالة المصرية في بلادهم، والذين يشربون (الذلّ) يومياً باسم نظام الكفيل المُخالِف للإسلام ولحقوق الإنسان في كافة المواثيق الدولية، وبتعمّد الحُكم السعودي خاصة مع مجيء الأمير المُتعجّل والمُتقلّب في قراراته وسياساته ؛ محمّد بن سلمان لصدارته، أن يهينوا مصر ودورها القومي، في كل مناسبة سياسية أو دينية، والشواهِد على ذلك عديدة، مُتناسين عن عَمْدٍ أفضال مصر عليهم، ليس فحسب سياسياً بل وشعبياً واجتماعياً منذ مئات السنين ، ومن منا لا يتذكّر (المحمل المصري) الذي كان يذهب إلى مكّة محمّلاً بالخيرات، وبكسوة الكعبة المشرّفة منذ عصر سلاطين المماليك والدولة العثمانية وعصر أسرة محمّد علي باشا حتى آخر احتفال بخروج المحمل عام 1962م، ومَن ينسى أفضال ملايين المصريين الذين ذهبوا إلى تلك البلاد ليُعمِّروها بعد أن كانت خراباً قبل وبعد طفرة النفط الذي غيّر القلوب والعقول معاً، وبعضهم استشهد وهو يُعمِّر تلك البلاد، والبعض الآخر استشهد تحت ضرب السياط (نظام الجَلْد) لأنه حاول أن يثور لكرامته وكرامة بلده أو يطالب بأدنى حقوقه، ومع ذلك يتناسى الحُكم السعودي هذا جميعه ولا يذكر إلا عقدة الدرعية.
على أية حال.. إن كراهية آل سعود لعبد الناصر، والتي تمثّلت في عشرات المواقف والسياسات تؤكّد في جوهرها إننا إزاء قانون تاريخي ثابت ودائم في هذه المنطقة، قانون يقوم على مُعادلةٍ استراتيجية تقول (إذا قام أو صعد الدور المصري الاقليمي والدولي لابدّ وأن يتراجع وينكمش الدور السعودي، والعكس صحيح، إذا تراجع الدور المصري، تقدَّم الدور السعودي بكل مثالبه وتبعيّته لواشنطن وتل أبيب). بهذا المعنى نستطيع أن نفهم جوهر كراهيّتهم لعبد الناصر، ولمصر القوية، وترحيبهم بمصر الضعيفة المُتسوِّلة لحسنات محمّد بن سلمان. حمى الله مصر، رحم الله عبد الناصر وجزاه خير الجزاء بما قدَّمه لأمّته من خيرٍ وجهاد.