الأطراف المتصارعة في طرابلس في ذكرى الفاتح من أيلول/ سبتمبر

لا شك أن الليبيين بحاجة ماسة إلى عقد جلسة حوار وطني حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثل أحد العوامل الرئيسية للأزمة، والحل الوحيد لمعالجتها هو الالتزام بالشفافية.

الاشتباكات المتجددة في طرابلس قد يكون خلفها الصراع الفرنسي ــ الإيطالي على النفط والغاز الليبي

إنه الصراع في ليبيا ما بعد القذافي، يأخذ بُعداً خطيراً، ينذر بتقسيم البلاد إلى دويلات قبلية شرقاً وغرباً وجنوباً، وصل لإعلان زعماء قبائل وسياسيون ليبيون منطقة برقة «إقليماً فدرالياً اتحادياً»، واختاروا أحد أقارب الملك إدريس السنوسي رئيساً لمجلسه الأعلى. في الوقت الذي  يعلم فيه الجميع أنه لم يتشكّل لدى سكان ليبيا وعي سياسي له قيمة بمكوّن الدولة، وأهمية الاستقرار في حياة الشعوب لعدّة أسباب، ثقافية واجتماعية وديموغرافية لا تُخفى. حتى إبان الغزو الإيطالي لها، كان من أهم دواعي استمرار المقاومة هو تشبّث السكان الرّحل بحياة البدو التي تتطلّب الانتقال من مكان لآخر، حسب مواسم عرفوها فألفوها منذ القدم.

الحقيقة الواقعة في ذكرى الفاتح من أيلول/ سبتمبر، هي أن ليبيا تواجه معضلات التقسيم. بَيْدَ أن التطوّر المفاجئ الذي طرأ  نحو الفيدرالية، يفوق كل التحديات السابقة والماثلة أمام ليبيا الجديدة، إذ يهدّد وحدة الدولة الليبية نفسها. وهو اتجاه بعض الأقاليم والمحافظات الليبية نيّتها تطبيق الفيدرالية، الأمر الذي يعني حال استمراره تحوّلاً جذرياً في تاريخ ليبيا، يعود بها إلى مرحلة ما قبل عهد القذافي عندما كانت ليبيا مملكة مقسّمة إلى أقاليم. بما يستتبع ذلك من احتمالات التصارع والشقاق بين المناطق الليبية وبعضها البعض، فضلاً عن فتح المجال على مصراعيه للتدخّلات الخارجية بشكلٍ مفتوح وبمختلف الصوَر والأبعاد.

إنه تطوّر مفصلي تشهده ليبيا. يثير قلقاً بالغاً لجهة مستقبل الدولة الليبية، ووضعيتها في المحيط الإقليمي، خصوصاً نطاق الجوار المباشر. فقد فاجأت محافظة برقة (شرق ليبيا) الليبيين والعالم، بإعلان نيّتها التحوّل إلى إقليم مستقل. ورغم أن المشكلة تصاعدت بشكل مفاجئ في السنوات الأخيرة، إلا أن بذورها كانت قائمة في الوضع الليبي قبل ذلك، الأمر الذي يجعل التعامل معها أمراً معقداً وملحّاً في ذات الوقت. بَيْدَ أن الظاهر حتى الآن من المعالجة الرسمية لذلك التطوّر، لا ينمّ عن إدراك لحجم الخطر الكامن فيه، أو ربما يعكس العجز عن التعامل معه كما ينبغي.

المعارك الطاحنة التي تعيشها مدينة طرابلس في تجدد الاشتباكات وترويع المدنيين، جعلت وزيرة الدفاع الايطالية اليزابيتا ترينتا أن نوجه أصابع الاتهام إلى فرنسا التي أخذت على عاتقها تسليح وتمويل الجماعات المسلّحة التي أطاحت بالقذافي بموازاة الغزو الأطلسي. وفي هذا الصدد أثنت وزيرة الدفاع على تعليق رئيس الجمعية الوطنية الإيطالية روبيرتو فيكو الذي اتهم فرنسا بأنها قدّمت مصالحها الخاصة على مصالح الليبيين والمصالح الأوروبية. فإيطاليا التي تعود إلى غزو ليبيا، تشير في الوقت نفسه إلى ما تدّعيه فرنسا بأنها أنجزت اتفاق المصالحة بين الأطراف الليبية المتصارعة في لقاء الأليزية السنة الماضية. وأنها تساعد على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في نهاية هذا العام. لكنها في الحقيقة غلّبت سيطرة القوات الحليفة التابعة إلى حكومة الوفاق الوطني في طرابلس بزعامة فايز السراج. وهو الأمر الذي دفع بقوات اللواء السابع المدعوم من اللواء 92 استغلال الفرصة في عودته من ترهونة إلى طرابلس وإلى الاتفاق مع أطراف أخرى متضررة من الاشتباكات السابقة في طرابلس كلواء الصمود تحت قيادة صلاح بادي وكتيبة فرسان جنزور المسماة القوّة الوطنية المتحركة.

هذه الاشتباكات المتجددة في طرابلس قد يكون خلفها الصراع الفرنسي ــ الإيطالي على النفط والغاز الليبي بين شركة "إيني" الايطالية وشركة توتال الفرنسية التي تحظى باستثمار حقل "نالوت" في غرب ليبيا على الرغم من أن القذافي وعد إيطاليا باستثماره وقد أخذته فرنسا بعد أطاحة القذافي ولا تزال تدعم أطراف الأمر الواقع الذين سحبوا الامتيازات الإيطالية لمصحة فرنسا في النفط والغاز وفي شركة صناعة السفن. وقد يكون إعلان واشنطن التنسيق الكامل مع إيطاليا بشأن القوى المتصارعة في ليبيا، سببه عدم رغبة الإدارة الأميركية من استحواذ كامل حقل"نالوت" الذي يحتوي على مخزون من الغاز يكفي أوروبا لمدة ثلاثين عاماً ويحمل فرنسا بذلك للسيطرة واحتلال قمة الهرم الأوروبي في الغاز الذي تخطط واشنطين لتصديره إلى أوروبا.

لا شك أن الليبيين بحاجة ماسة إلى عقد جلسة حوار وطني حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثل أحد العوامل الرئيسية للأزمة، والحل الوحيد لمعالجتها هو الالتزام بالشفافية، ويجب الدعوة مجدداً كل السلطات المسؤولة ووزارة المالية والمصرف المركزي لنشر الميزانيات والنفقات العامة بالتفصيل، حتى يتمكّن كل الليبيين من رصد كل دينار يتم إنفاقه من ثروتهم النفطية. والعمل مع الجهات الوطنية المعنية الأخرى لتعزيز الشفافية وحل هذه الأزمة – وذلك خدمة لمصالح جميع المواطنين". فيُخطئ مَن يظّن، أن الدعوات الانفصالية عن جسم ليبيا قد توقّفت أو فترت.