حكام الخليج والأسْر التاريخي!!
صراعات داخلية تشهدها دول الخليج مثل البحرين، وهي الآن على حافة الإفلاس (تعيش اليوم على صدقات السعودية والإمارات)، وتتحدث التقارير الصحفية من داخل المنطقة أن بعضاً من هذه البلدان تعاني عجزاً في الميزانية أدّى إلى عدم تسديد مرتّبات الموظفين، فضلاً عن إعادة جدولة ديونها المتعلقة بصفقات شراء الأسلحة.
كلنا يتذكّر مقولة السديس في البيت الأبيض الأميركي"قيادة خادم الحرمين الشريفين، والرئيس الأميركي، العالم والإنسانية، إلى مرافئ الأمن والاستقرار والرخاء"وهي كلمة بالتأكيد مملاة عليه إن لم تكن مكتوبة له لأنه أصلاً جيء به إلى البيت الأبيض لا كإمام ولكن كوكيل ديني يعتقد أنه ناطق باسم المسلمين!!
وهو لا يُعبّر إلا عن وجهة نظر مشغّليه والذين يعون زوراً أنهم ناطقون باسم العالم السنّي، وهو خطأ وقع فيه وربما أفقده صفة الإمام. وحين يُسخّر الدين لخدمة موالاة أميركا وإسرائيل فإن جوهر الصراع في المنطقة يصير مشدوداً بالأسْر التاريخي الذي توجد عليه أنظمة الحكم السلالي، وهو أسْر حبيس الفكر القبلي والتراكُمات التاريخية السيّئة الذكر، وأهمّها تفضيل العدو الإسرائيلي على الجار المسلم وإلا كيف نُفسّر اتّهام حزب الله بالإرهاب وهو في مواجهة مع إسرائيل أو كيف نُفسّر مطالبة السعودية برحيل الأسد ونظام سوريا وهما يقاومان بلحمهما أعتى عدوان سجّله التاريخ.
إن منطق التعالي الذي تدّعيه السعودية وبأثرٍ رجعي لقُربها من الحرمين هو في غاية الخطيئة ضد الإسلام ، لأن الإسلام يرفض الظلم حتى ولو صدر من نبيِّ مُرسَل فكيف بمَن لا يتورّع في نقض أحكامه باسم الموالاة لغير مَن لا يؤمن به أصلاً، ويقوم بمحاربته أوَلم يتّهم ترامب المسلمين في دول الخليج بأنهم مجرّد بقرات حلوب وأن الأفضل في دولهم لا تستقر حاله أكثر من أسبوع متى نُزِعَت الحماية الأميركية عنه.. ومع ذلك، تجاهلت الطبقة السلبية الأرضية الوسطى للحُكم على الأقل، وعادةً ما يتم حفظ المضاعفات والظلال الرمادية في قصصٍ أخرى للأخذ بها في المملكة العربية السعودية .لقد كانت الحرب في اليمن خطأً غبياً، كما يقول الصحافي الأميركي ستيفن كوك.
إذن، الحُكم السلالي يتآكل تدريجاً وبسرعة بعد مجيء محمّد بن سلمان ويُحاصَر من كل الدول الإسلامية لأنه مسّها بالخراب، وما توزيع "كوطات "للحجّ مجاناً من طرفِ الملك إلا لذّر الرماد في العيون ومحاولة لإنقاذ ما تبقّى من سمعة المملكة وهي في النهاية شراء للذِمم.
لا توجد صفقة القرن ولا مهزلة القرن بل توجد البقرة الحلوب بمسمّيات الابتزاز لكلٍ من مصر والسعودية، وبأيّ لون أو شكل أو توصيف تتم به، ومنها المساعدة العسكرية لأ جل الحماية بالصمت عن الجرائم التي يرتكبها النظام السلالي في اليمن وخارج اليمن مقابل صفقات أسلحة أميركية مُهترئة في غالبيّتها. هذه هي صفقة العصر في مفهوم ترامب وفريقه السياسي العسكري الذي جيء به من الأرشيف، حتى أن بومبيو "يشكر (في ابتزاز فاضح) محمّد بن سلمان على جهود السعودية في"بسط الاستقرار" في سوريا"، فهل يستفيق الإعراب ويتوجّهون بسياستهم لا ببطونهم إلى توصيف الواقع الذي هم عليه توصيفاً عقلانياً بعيداً عن الحكم العشائري، وترسيخ مبدأ الرأي والرأي الآخر كما يُحدّده ويطلبه من الجميع القرآن الكريم، وحين تقول مجلة فورين بوليسي "بن سلمان ضعيف متهوّر وغير ناضج" تبدو الصورة أكثر رمادية في السياسة السعودية إن لم تكن مُتحاملة على الواقع بواقعٍ أشد انتهاكاً لحرمة الإنسان والدين معاً، بدليل أن العلماء الذين تم سجنهم (وفيهم مَن مات في السجن تحت التعذيب) هم الرافضون لفكر العبودية الذي يُمارِس بموجه محمّد بن سلمان سياسة القهر للكل من مُخالفيه في الرأي، والمصيبة أنه زجّ بالنساء أيضاً في السجون ظلماً وعدواناً، حتى أن الباحث والأكاديمي الأميركي كيفين باريت تساءل: "ما الذي فعلته كندا حتى تستحق مثل هذا المصير؟" مضيفاً إن "كل ما عبّرت عنه هو القلق إزاء انتهاك السعودية لحقوق نشطاء يعملون في مجال حقوق الإنسان، مثل سمر بدوي التي اعتقلت مؤخراً"، وصراع المملكة مع كندا ما هو إلا ردّ فعل قبَلي، وإن" العديد من الملاحظين أشاروا إلى أن القرار السعودي كان جاهزاً منذ حصول إنصاف حيدر زوجة رائد بدوي-التي لجأت بصحبة أبنائها الثلاثة إلى أوتاوا- على الجنسية الكندية لكن الرياض بقيت تقتنص الفرصة لتجاهر به".
هناك صراعات عنيفة بين كثير من الدول في المنطقة، بين اليمن والسعودية أزمة حادّة ودموية.. مجلس التعاون الخليجي في مهبّ الريح، هناك صراع بين إيران والإمارات العربية على الجزر الثلاث وهو صراع مرشّح للانفجار في أية لحظة ،لأن إيران أحسّت بالمرارة من مواقف دول الخليج بعد الاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها مع أميركا وفرنسا وبريطانيا، وتتولى هذه الدول الثلاث حماية الأمن في الخليج بنصّ هذه الاتفاقيات؟
و هناك صراعات داخلية تشهدها هذه البلدان مثل البحرين وهي الآن على حافة الإفلاس(تعيش اليوم على صدقات السعودية والإمارات)، وتتحدث التقارير الصحفية من داخل المنطقة أن بعضاً من هذه البلدان تعاني عجزاً في الميزانية أدّى إلى عدم تسديد مرتّبات الموظفين، فضلاً عن إعادة جدولة ديونها المتعلقة بصفقات شراء الأسلحة. هذه المؤثرات السلبية الناتجة أساساً من حروب الخليج وما يُعرَف زوراً ب"الربيع العربي" خططت لها أميركا بدقّة ونجحت، و لكن في المقابل لم يكن هذا النجاح عامل استقرار لها في المنطقة لأن تيار المقاومة المُتصاعِد والذي ساهمت في بروزه أكثر حرب الخليج وقد ضع نُصب عينيه المصالح الأميركية ، باعتبارها المستفيد الأول من الأوضاع المتأزّمة، وباعتبارها أيضاً الدولة المُقرِرة والمُبرمِجة لهذه الأحداث، ولأحداث مستقبلية ..!
إن هناك الآن احتمالين، احتمال يقول بالتغيير الشامل في الأنظمة العربية (الخليجية على وجه الخصوص) والرفض الكلي للسياسة الأميركية يمثل هذا الاحتمال بقوّة المثقفون بثقافة المقاومة الذين يشدّدون على حقوق الإنسان في الوطن العربي ، لأن الإقرار الكلّي بهذه الحقوق يعني الإقرار الكلّي بفشل الأنظمة الحالية، و بالتالي زوالها وهو احتمال يستقطب الشارع الرافض بنسبة كبيرة، وتؤيده شرائح مهمة من المثقّفين ذوي النزعة البراغماتية، ويشمل هذا الاتجاه الآن بلداناً مشرقية، البحرين، والسعودية والإمارات ولا يستبعد المراقبون أن يتحوّل هذا العنصر إلى صراعٍ دموي داخلي.
وهناك احتمال ثانٍ يقول بإعادة هيكلة المنطقة سياسياً من دون إقصاء لأية دولة بما في ذلك إيران والعراق، وإسناد مهمة الأمن الإقليمي فيها إلى مجموعة هذه البلدان لأنها المعنية بالصراع، ولأنها المعنية بثروات المنطقة بما في ذلك ثروة النفط ، وهذا الاحتمال أيضاً يضع الأنظمة القائمة الآن محل تساؤل، خاصة وأن تفتح هذه الأنظمة على المعارضة قد بدا محتشماً، فقد أدخلت سلطنة عُمان المرأة في مجلس الشورى"البرلمان" بعد أن كانت مُغيّبة عنه، ورفضت الكويت التوقيع على معاهدة الأمن لدول مجلس التعاون بحجّة تعارضها مع الدستور الكويتي، في حين رفضت قطر حضور الاجتماع من الأساس (وهي الآن خارج مجلس التعاون الخليجي) واتخذت سياسة مستقلة عن مجلس التعاون في موقفين، الموقف من الهيمنة السعودية والموقف من اتفاقية الأمن هذه.
وفي مقابل هذا تحاول مصر أن تصنع قطباً سياسياً بالاشتراك مع أميركا وإسرائيل من خلال ما يُعرَف بصفقة العصر لمواجهة تحديات الأخطار التي أفرزتها وستفرزها مستقبلاً فوضى "الربيع العربي" المشؤوم ، إنها وجدت نفسها خارج الأحداث في المنطقة بعد أن رفضت ضمنياً دول مجلس التعاون إشراك القوات المصرية والسورية قبل الأزمة في الحفاظ على الأمن في المنطقة والذي كان مقرراً في بيان الثمانية "دول مجلس التعاون ومصر وسوريا" قبل تعرّض سوريا للمؤامرة السعودية الأميركية الإسرائيلية.