المشروع الصهيوني الذي أسقطه الدروز، والجيش السوري
ولم يكن لهذا النجاح السوري أن يتحقَّق لولا الوقفة الوطنية للدروز أنفسهم، وتأكيدهم على هويّتهم العربية، وعلى وحدة وسيادة الدولة السورية.
قبل الحديث عن أهمية ومغزى حملة الجيش السوري المُنتظرَة لاستكمالِ تنظيف وتحرير المنطقة الواقعة بين قاعدة التنف الأميركية، وشرق السويداء، من فلول تنظيم "داعش" والعصابات التكفيرية، نذكر ابتداءً، بأن جانباً هاماً وأساسياً من معارك التحرير التي يخوضها الجيش السوري، شديدة الصِلة باستهدافات سوريا منذ عام 2011 وخاصة ما يتعلّق بالحدود.
فمن محاولات التحالف الأطلسي – الإسرائيلي "الرجعي" بناء جُدران بشرية مُسلّحة طائفية عازِلة تفصل سوريا عن حزب الله في لبنان، وتفصل الإثنين عن المجال العراقي – الإيراني، إلى محاولة تركيا "الأردوغانية"، توسيع احتلالها شمالاً والوصول إلى حلب، وكذلك الموصل في إطار الإنبعاث العثماني، كما رسمه برنار لويس وبريجنسكي، إلى معركة الحدود الجنوبية وموقع السويداء وجبل العرب في هذه المعركة.
إلى ذلك، يتذكّر وليد جنبلاط بالتأكيد المؤتمر الذي عُقِدَ في عمّان بحضورٍ أميركي، قبل سنوات من الأزمة السورية، وجرى افتتاحه بـ وصلة غنائية للفنان اليساري، سميح شقير، وبحضور عددٍ من الفعاليّات السياسية والثقافية والإعلامية (الدرزية) من فلسطين المحتلة (بينهم نائب عن حزب الليكود في الكنيست) بالإضافة إلى فعاليّات درزية من لبنان على رأسهم جنبلاط، ومن أوساط توصَف بالمعارضة السورية، ومن الأردن دروز تولّى بعضهم مسؤوليات حكومية سابقة، وتولّى بعضهم مسؤوليات حكومية بعد ذلك.
وفي الحقيقة، لم يكن مؤتمر الدروز المذكور، المؤتمر الوحيد من نوعه الذي عُقِدَ في العاصمة الأردنية، بحضور مندوبين لسفارات أميركا وفرنسا وبريطانيا ودول خليجية.
فقد شهدت عمّان أكثر من مؤتمر، يُناقش أجندات ومشاريع مطبوخة في دوائر الأطلسي والعدو الصهيوني، مثل مؤتمر المعارضة العراقية الذي سبق سقوط الموصل بأشهر، واستهدف إعلانها عاصمة بديلة عن بغداد والإعتراف بها من هذه الدوائر والجامعة العربية، وذلك قبل أن يخطف "داعش" السيناريو بدعمٍ من أوساطٍ في الاستخبارات الأميركية وأوساط رجعية عربية وعراقية.
ومن المؤتمرات الأخرى، مؤتمر كردي، ناقش سُبُل إعلان كيان كردي في العراق وسوريا وحضره ممثلون عن سفارة (إسرائيل) في الأردن، بالإضافة إلى دبلوماسيين من فرنسا وأميركا وبريطانيا.
وقد تقاطعت المؤتمرات الثلاثة، مع سيناريو (إسرائيلي) نوقِش في مؤتمرات "هرتزليا" بأسماء مُتعدّدة، من الأردن الكبير إلى كونفدرالية الأراضي المُقدّسة، وأشارت إليه مجلة الوطن العربي التي تصدر في لندن.
فكل المؤتمرات المذكورة، انطلقت من استراتيجية مُحدَّدة تستكمل تحطيم العراق وتفكيكه إلى كنتوناتٍ طائفيةٍ وجهوية، بالعدوان على سوريا وتفكيكها بالمنطق والأدوات والأكاذيب والذرائع نفسها.
وكانت كل هذه المؤتمرات، مطيّة لأوهامٍ بدَّدتها التطوّرات المُتلاحِقة، ومنها ضمّ الأنبار العراقية وحوران السورية إلى الأردن الكبير، بالإضافة إلى الكيان الكردي المنشود، وما أطلق عليه البرلمان الدرزي، وكان من أهداف ذلك:
1- انسجاماً مع يهودية الدولة، التخلّص من الصوت الدرزي الوطني في الانتخابات (الإسرائيلية) بالإضافة إلى إطلاق واختلاق فُسيفساء طائفية في سوريا ولبنان.
2- تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية عموماً عبر الأردن الكبير، ليس من خلال تحويله إلى دولةٍ فلسطينية بل عبر بعثرة وتمزيق الحال الفلسطينية والأردنية معاً، على شكل حكومات وبرلمانات محلية تتوزّع على الضفتين، ومن ثم تجميعها في كونفدرالية مُلحَقة بـ (أورشليم الجديدة) بعد تهويد القدس.
في ضوء ما سبق، وانطلاقاً منه، تم إدخال المنطقة وخاصة سوريا والعراق في حمّام دمٍ معروف، نجا منه لبنان بالرغم من المحاولات الفاشلة المُتكرِّرة للعدو وأدواته، بدءاً من عدوان تموز 2006.
فمن أحداث الموصل، إلى محاولات إعلان الكيان الكردي، إلى التحريض الذي مورِسَ على دروز جبل العرب لعزلهم عن الدولة السورية والتهرّب من خدمة العَلَم، إلى وثيقة حوران المعروفة، وهكذا.
ويُشار هنا، إلى حملة التحريض المشبوهة والكريهة التي قامت بها بعض وحدات المارينز الثقافية والإعلامية العربية في المنابر والصحف المُموّلة خليجياً، ومنها تصوير جبل العرب كمنطقة عصيانٍ دائمٍ على دمشق، أيّاً كان الحُكم فيها، من أديب الشيشكلي إلى حاطوم، بل وتصوير جبل العرب كمنطقةٍ مغلقةٍ على جيرانها البدو وغيرهم، عِلماً بأن "داعش" وجبهة "النصرة" وغيرهما من العصابات التكفيرية، حاولت اختراق هؤلاء البدو وخلق تهديد دائم للسويداء وريفها.
وبالمُجمل، فالهدف الأساس من كل ذلك هو تطويق دروز جبل العرب بالعُزلة ومعاقبتهم على مقاومة وإسقاط سيناريو الكانتون الدرزي المُقترَح إسرائيلياً في مشروع الأردن الكبير.
بَيْدَ أن صمود سوريا وبسالة قيادتها وجيشها وشعبها وإمساكها بزِمام المُبادرة والتقدّم على كل الجبهات وطرد الإرهابيين والمُرتزقة، أطاح بهذا المشروع وأطاح معه بمشروع الكانتونات الطائفية والجَهَوية والشرق الأوسط الكبير كما رسمه شمعون بيريز.
ومن هنا تبرز أهمية الحملة المُنتظَرة للجيش السوري ضد فلول "داعش" والعصابات التكفيرية التي تُهدِّد السويداء العربية وريفها.
ولم يكن لهذا النجاح السوري أن يتحقَّق لولا الوقفة الوطنية للدروز أنفسهم، وتأكيدهم على هويّتهم العربية، وعلى وحدة وسيادة الدولة السورية، وهي وقفة دونها تاريخ مكتوب بالدم والتضحيات، ليس آخرها الشهيد عصام زهر الدين.
لقد سجّل دروز جبل العرب والدروز عموماً صفحات مُشرِقة على مدار التاريخ، وضدّ كل المُستعمرين والمُحتلّين الذين تعاقبوا على سوريا، من ثورة دروز جبل العرب على الاحتلال العثماني 1910، إلى ثورتهم الكبرى 1925 ضد الاستعمار الفرنسي، إلى وقوفهم وانخراطهم في حركة التحرّر العربية بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
ويُشار هنا خصوصاً، إلى الدور الكبير الحاسِم الذي لعبه دروز جبل العرب بزعامة سلطان باشا الأطرش، إلى جانب الشيخ صالح العلي في جبال العلويين، وثوّار الغوطة وإبراهيم هنانو في حلب، ضد المحاولات الفرنسية لتمزيق سوريا إلى كانتونات طائفية.