اليمن بأموالٍ خليجية نحو المجهول

عودة الحرب الإعلامية الساخِنة من جديد بشكل خطير يُعيد إلى الأذهان الصدام المسلّح نهاية كانون الثاني/يناير الماضي بين القوى الموالية لتلك السلطة وبين المجلس الانتقالي الجنوبي، المسنود من الإمارات إلى ما كانت عليه من السخونة والخطورة قبل التسوية الهشّة التي قادتها الإمارات قبل قرابة شهر ونصف الشهر كي تحشد خلفها كل القوى المناوئة لحركة الحوثيين"أنصار الله"، لإسقاط مدينة الحديدة قبل أن تُمنى هذه الحملة بخيبة أمل إماراتية كبيرة

صورة أرشيفية

عودة العمليات الإرهابية في عدن مرّة أخرى إلى الواجهة لتطاول عدداً من الشخصيات الاجتماعية والرموز الأمنية، وتنصّلُ المملكة العربية السعودية والسُلطة اليمنية المعترف بها دولياً المسمّاة بــ"الشرعيّة" مِن الاتفاق الذي أبرم بينهما من جهة وبين شخصيات محلية في محافظة "المهرة" الجنوبية من جهةٍ أخرى، وهو الاتفاق الذي نزع فتيل أزمةٍ سياسيةٍ حادّة بينهما، وخفّفَ مِنْ فورةِ غضبٍ جماهيرية عارمة رافضة للوجود العسكري السعودي الإماراتي هناك، قبل أن تعود الأمور مرة أخرى إلى التوتّر على إثر تنصّل الرياض من هذا الاتفاق بشكلٍ مفاجئ ومريب، ترافق مع إقالة الرئيس هادي بإيعاز من المملكة لعدد من المسؤولين المحلّيين الذين شاركوا بالحشود الجماهيرية تلك بمَن فيهم مدير أمن المحافظة ووكيلها الأول، وواقعة استهداف موكب نائب الرئيس اليمني في محافظة مأرب ظهر الأربعاء الماضي الفريق علي محسن الأحمر، ومقتل عدد مِنْ مرافقيه بمَــن فيهم صهره والمُحلق العسكري اليمني في البحرين العميد محمّد صالح الأحمر، ووصول طائرة يمنية مُسيّرة إلى العمق السعودي وإلى العاصمة الرياض تحديداً وضربها لعَصَب الاقتصاد السعودي "شركة أرامكو النفطية"، وتعثر العملية العسكرية الإمارتية في الساحل الغربي اليمني بتلك الطريقة المُحرِجة لأبوظبي، وتفاقم الأوضاع المعيشية وتدهور كل المجالات الخدميّة في عدن وعموم المحافظات الجنوبية الواقعة تحت سيطرة هذه السلطة وتحت هذا التحالف، وتفاقم أزمات انعدام المُشتقات النفطية وتدهور وضع العملة المحلية" الريال" أمام العملات الصعبة، وعودة الحرب الإعلامية الساخِنة من جديد بشكل خطير يُعيد إلى الأذهان الصدام المسلّح نهاية كانون الثاني/يناير الماضي بين القوى الموالية لتلك السلطة وبين المجلس الانتقالي الجنوبي، المسنود من الإمارات إلى ما كانت عليه من السخونة والخطورة قبل التسوية الهشّة التي قادتها الإمارات قبل قرابة شهر ونصف الشهر كي تحشد خلفها كل القوى المناوئة لحركة الحوثيين"أنصار الله"، لإسقاط مدينة الحديدة قبل أن تُمنى هذه الحملة بخيبة أمل إماراتية كبيرة، وتصاعد الرفض الجنوبي لأيّ تواجدٍ عسكري شمالي بما فيه القوات الموالية للإمارات بقيادة العميد طارق صالح الذي انضمّ مؤخّراً إلى صفّ التحالف السعودي الإماراتي بعد مقتل عمّه الرئيس السابق صالح في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، على يد الحركة الحوثية بعد أن أدار "صالح" ظهره لها ولحزبه "المؤتمر الشعبي العام"، وطفق يغازل التحالف، وهو الوجود العسكري الذي تضاعف مؤخّراً في عدن بتمويل إماراتي ما أنذر بحال صدام مسلّح مع القوى العسكرية الجنوبية، ومنها الحزام الأمني برغم انضواء الطرفين، الجنوبي وقوات العميد طارق تحت الراية الإماراتية.

كل هذه الوقائع وهذه التطوّرات الدراماتيكية على الساحة اليمينة والخليجية تشير صراحة إلى وصول الحرب التي أطلقتها السعودية في اليمن منذ أكثر من ثلاثة أعوام إلى منعطف شديد الانحدار، نحو هوّة سحيقة، تهوي إليها اليمن وربما الدول المحيطة أيضاً بسرعة شديدة، وبلوغها - أي الحرب- الطريق المسدود تماماً بوجوه الجميع وبوجه التحالف السعودي الإماراتي بالذات، كما تشير إلى مضي السعودية والإمارات بشكل متسارع نحو المُستنقع اليمني ما يضع أمن المنطقة كلها على المحك، فضلاً عن مُضيّ اليمن إلى المجهول المُظلم وبأموال خليجية وبأدوات محلية يمنية.

فالسعودية التي راهنت لحسابات أمنية وتوسّعية في هذه الحرب على إضعاف اليمن وإنهاكه، بعد أن ارتخت قبضتها المُهيمنة عليه ستكون على موعد مع كارثة أمنية لا طاقة لها فيها في حال انفلتت الأمور في اليمن من عقالها، وهذا ما تشير إليه الأمور على الأرض يوماً بعد يوم، وهو البلد المتخم بملايين البشر، الذي يفترسه الفقر والأمراض وتنهش جسده القنابل العنقودية وتتنازعه الجماعات المُتطرّفة المدعومة خليجياً، وتستبدّ به الضغائن وتتملكه الأحقاد من حيف وجور الشقيق الخليجي الثري، ومن بطشه وعجرفته طيلة أكثر من ثلاث سنوات عجاف جفاف.