غزة.. وهم الانفصال
المشكلة ليست بين الضفة وقطاع غزة، بل في مشروع تسوية بسببه خسرنا أجزاءً كبيرةً من فلسطين الانتدابية، ومعظم الضفة الغربية، لذلك لا يوجد قضية حقيقية مرتبطة بالانفصال، إلا إذا وضعنا السلطة هي مشروعنا الأساسي الذي يجب أن نناضل من أجله، وهنا نكون قد وقعنا في مغالطة كبرى، وقدمنا المشروع الوطني على دويلة لا تملك سيادتها إلا بإذن الاحتلال، وبناء عليه أرى أن علينا إعادة تعريف ما هو الانفصال إن كنا نريد أن نخوض في برنامج وطني حقيقي قادر على مقارعة الاحتلال.
منذ تولي الرئيس الأميركي ترامب سدة الحكم، وما تلاه من حديث عما يسمى صفقة القرن، والعديد من الكتاب الفلسطينيين وغيرهم من العرب يكثرون من الحديث عن قضية الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يحاول البعض ترويج المصطلح بأنه مسلمة واقعة، فمنطلقات المفردة تركز على جزئية واحدة فقط، غير أن مصطلح الانفصال هنا فضفاض وغير محدد الملامح.
إن الحديث عن الانفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية لا يمكن اجتزاؤه بكونهما غير متصلين جغرافياً ولا تربطهما أية حدود، وحتى عندما لجأ بعض الفلسطينيين إلى التنازل والقبول بجزء من فلسطين الانتدابية؛ ذهبوا باتجاه حدود 67، وسلموا بحلول الاحتلال في تحديد ممرات التواصل والاتصال.
نحن أمام كيانين منفصلين من حيث الجغرافيا الطبيعية مما يعقد أية إدارة أو شكل ومخرج للدولة الفلسطينية، بطريقة تجعلها غير قادرة على إدارة شؤونها إلا بموافقة الاحتلال الاسرائيلي، إذن من يتحدث عن الانفصال ينطلق من منطلقات مرتبطة بوجود السلطة الفلسطينية، وهي المؤسسة التي عليها انقسم الفلسطينيون أصلاً بعد توقيع اتفاق أوسلو، وهي الشكل الذي عقد مسار التحرر الفلسطيني لمواجهة الاحتلال.
التجارب والواقع خلال الفترات التاريخية السابقة، وهنا لا أريد العودة إلى التاريخ بعيداً، فقد حكمت المملكة الأردنية الهاشمية الضفة الغربية من عام 48 إلى عام 67 وقد حكمت جمهورية مصر العربية قطاع غزة في نفس الفترة قبل أن يقوم الاحتلال بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة والضفة الغربية، وعلى الرغم من هذا الواقع إلا أن الوضع الفلسطيني بقي محافظاً على كينونته الفلسطينية، وواصل مواجهة الاحتلال، وراكم طوال هذه السنوات بعد النكبة مخزونه الثوري الذي عاود وانتفض في وجه الاحتلال، وبعد الاحتلال والتواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة عبر حواجز الاحتلال شكلت المقاومة الفلسطينية رافعة قوية للمشرع التحرري الفلسطيني متنقلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
نحن هنا لسنا بصدد التعمق في مشكلة أوسلو وما جلبته لنا من إشكاليات حقيقية انعكست ليس فقط على الواقع الميداني على الأرض؛ بل أيضاً على بعض المفاهيم الثورية والوطنية في مقارعة الاحتلال، ولعل الواقع الذي تعيشه الضفة في هذه المرحلة من انتشار واسع للحواجز الإسرائيلية، والتهام الأراضي من قبل المستوطنين، وما تحمله من مشاريع اليمين الإسرائيلي الحاكم من ضم الضفة الغربية واعتبار الكتل الاستيطانية جزء من دولة الاحتلال، تؤكد على حقيقة أن علينا دراسة جدوى مشروع السلطة الفلسطينية.
ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقرر ونحدد وجهتنا: هل نحن نتحدث عن انفصال بين قطاع غزة والضفة الغربية من حيث كيانية السلطة؟ أم أننا نتحدث عن إعادة الوحدة مرة أخرى من حيث مشاريع التحرر ومقاومة الاحتلال؟ فلا يمكننا تجاهل أننا وحدة واحدة ومصير مشترك مع فلسطينيي الداخل المحتل عام 48، ولا يمكن فصل أننا في مصير مشترك كلاجئين فلسطينيين مع فلسطينيي الشتات، فإذن ومن هنا لا بد لنا من إعادة تقييم وتوضيح مفاهيم الانفصال وتحديد حدودها المعرفية، حتى نكون قادرين على التوصيف السليم للمسارات السياسية والبناء عليها من أجل النهوض بمشروعنا الوطني.
المشكلة ليست بين الضفة وقطاع غزة، بل في مشروع تسوية بسببه خسرنا أجزاءً كبيرةً من فلسطين الانتدابية، ومعظم الضفة الغربية، لذلك لا يوجد قضية حقيقية مرتبطة بالانفصال، إلا إذا وضعنا السلطة هي مشروعنا الأساسي الذي يجب أن نناضل من أجله، وهنا نكون قد وقعنا في مغالطة كبرى، وقدمنا المشروع الوطني على دويلة لا تملك سيادتها إلا بإذن الاحتلال، وبناء عليه أرى أن علينا إعادة تعريف ما هو الانفصال إن كنا نريد أن نخوض في برنامج وطني حقيقي قادر على مقارعة الاحتلال.