رغم صعوبة الواقع مازال الأمل الفلسطيني يقاوم
شكل اتفاق الشاطئ للمصالحة عام 2014 حكومة وفاق وطني، كخطوة بتجاه المصالحة وانهاء الانقسام، حيث أنهى رسمياً حكومة حماس في غزة, ولكن لم ينهي فعلياً أزمة الانقسام الفلسطيني, وصولاً إلى اتفاق أكتوبر الأخير للمصالحة، الذي لم يستطع هو الآخر ايجاد حلاً للانقسام، لكنه كشف أن الفلسطينيين ليسوا مطالبين بإنهاء الانقسام فقط، ولكن مطالبين بإيجاد حلول لقضايا مستجدة، أهمها ثقافة الانقسام الحزبية المناصرة لمبادئ التنظيم، ومصالحه أكثر من مناصرته لقضايا الوطن ومتطلبات صموده، أفرزتها 12 عاماً من واقع الانقسام، ناهيك عن تولد طبقة اجتماعية اقتصادية باتت مصالحها مرتبطة باستمرار الانقسام على ضفتي الانقسام ولو بنسب مختلفة.
صورة الانقسام الفلسطيني الذي بدأت بذوره مع قبول منظمة التحرير الفلسطينية مبدأ الاعتراف "بإسرائيل" في إطار حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومع تأسيس السلطة الفلسطينية كأهم المستجدات في الواقع الفلسطيني الناشئة عن اتفاق أوسلو, التي خلقت سياقات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة داخل المجتمع الفلسطيني, أهمها ظاهرة تضخم عدد موظفي السلطة الفلسطينية, حيث بدأ اعتماد شرائح كبيرة من الشباب الفلسطيني في رزقه على راتب السلطة، وأصبح استمرار قدرته على تلبية احتياجاته المعيشية مرتبطة باستمرار السلطة، وديمومتها في دفع تلك الرواتب، بذلك باتت رواتب الموظفين هي إحدى أهم عجلات دولاب الاقتصاد الفلسطيني.
مشاركة حركة حماس لانتخابات المجلس التشريعي وتشكيلها للحكومة، والحصار الاسرائيلي الذي فرض على غزة على إثر ذلك، ومن ثم الذهاب إلى مرحلة الإنقسام داخل منظومة السلطة الفلسطينية، ما بين حماس وحكومتها في غزة من جهة، وما بين فتح وحكومة الرئيس في الضفة الغربية من جهة أخرى، ازداد عدد الموظفين المتضخم أصلاً، خاصة مع مطالبة الرئيس محمود عباس موظفي السلطة الامتناع عن العمل في حكومة غزة، بذريعة عدم شرعيتها, مما اضطر حماس لتوظيف موظفين جدد لإدارة جهازها الحكومي في غزة, وبذلك تشكلت حالة مركبة من السياقات الاجتماعية والاقتصادية على مدار فترة الانقسام داخل قطاع غزة بالذات، موظفون تابعون لحكومة رام الله يتلقون رواتبهم دون عمل, وموظفون يتبعون حكومة غزة يتقاضون نسبة من رواتبهم الشهرية تتناسب مع حجم العوائد الضريبية الداخلية ومقدار المساعدات الخارجية لها، التي تحصل عليها حكومة حماس في غزة.
شكل اتفاق الشاطئ للمصالحة عام 2014 حكومة وفاق وطني، كخطوة بتجاه المصالحة وانهاء الانقسام، حيث أنهى رسمياً حكومة حماس في غزة, ولكن لم ينهي فعلياً أزمة الانقسام الفلسطيني, وصولاً إلى اتفاق أكتوبر الأخير للمصالحة، الذي لم يستطع هو الآخر ايجاد حلاً للانقسام، لكنه كشف أن الفلسطينيين ليسوا مطالبين بإنهاء الانقسام فقط، ولكن مطالبين بإيجاد حلول لقضايا مستجدة، أهمها ثقافة الانقسام الحزبية المناصرة لمبادئ التنظيم، ومصالحه أكثر من مناصرته لقضايا الوطن ومتطلبات صموده، أفرزتها 12 عاماً من واقع الانقسام، ناهيك عن تولد طبقة اجتماعية اقتصادية باتت مصالحها مرتبطة باستمرار الانقسام على ضفتي الانقسام ولو بنسب مختلفة.
في الوقت الذي تذهب به الرغبة الأميركية باتجاه تصفية القضية الفلسطينية من خلال القفز عن ثوابتها الأساسية تلبية لرغبة المصلحة الصهيونية بفتح طريق أمام واقع جيو - سياسي جديد، تصبح به "إسرائيل" جزءاً من النسيج الطبيعي للمنطقة من خلال شراكة مع العرب ضد عدوهم المصطنع أميركياً "إيران", الأمر الذي يفقد القضية الفلسطينية كثيراً من روافعها العربية والدولية، ويجعل الاعتماد على الذات الفلسطينية الداخلية بمثابة آخر القلاع في صراع الفلسطينيين ضد صفقة القرن، فجرت حكومة الوفاق أزمة العقوبات على قطاع غزة، والتي أهم تجلياتها قطع رواتب الموظفين التابعين لحكومة رام الله من سكان غزة، تحت ذريعة اخضاع حركة حماس لتسليم غزة لسلطة رام الله, تحت وطأة خطر تجفيف منابع المال في غزة، وخلق حالة شلل اقتصادية فيها، مما يُسرع في تولد حالة من الضغط الشعبي ضد حماس تجبرها للخنوع لشروط حكومة رام الله، متناسون أن تعزيز الجبهة الفلسطينية الداخلية هي أساس استراتيجية الصمود الفلسطيني في مواجهة صفقة القرن، خاصة مع المقاومة الشعبية السلمية، التي فجرتها مسيرات العودة وكسر الحصار، ورغم كل مناشدات الغيورين من حركة فتح، والفصائل الفلسطينية الأخرى لحكومة رام الله بأن هذه المقاربة خاطئة، ولن تضر إلا بحالة الصمود الشعبي الفلسطيني، إلا أن هذه المناشدات لم تجد عقلاً راشداً وطنياً يُغلبْ المصلحة الوطنية على المآرب الحزبية، والشخصية الضيقة لبعض المتنفذين في رام الله، ومع انتقال هذه المناشدات إلى مرحلة الفعل التظاهري السلمي في دوار المنارة في رام الله كورقة ضغط على أباطرة الإنقسام هناك، لم يكن إلا القبضة البوليسية في مجابهة هذا الحراك المُطالب بوحدة الوطن، وتدعيم صمود الحاضنة الشعبية للمقاومة بكافة أشكالها في غزة، من خلال رفع العقوبات عنها.
ولكن للأسف، لم ينتهي المشهد عند هذا الحد، بل إن شرخ الانقسام على ما يبدو طال أيضاً البعض في غزة، ممن يظنون أنهم قادرون على النجاة بإمكانياتهم الحزبية أمام الطوفان القادم لضرب القضية الفلسطينية، هذه المقاربة انعكست على أسلوب البعض في تخريب حراك الأسرى المحررين، وبعض الفئات الأخرى في ساحة السرايا في غزة، للمطالبة بإنهاء الإنقسام، ورفع العقوبات عن غزة، لكن العقل الحزبي المتغذي من سياقات تنشئة الإنقسام لتلك الفئة، جعلها ترى أن هذا الحراك يحمل بطياته أخطار حقيقية عليها، وعلى مشروعها الحزبي.
أمام هذا المشهد الفلسطيني المعقد بات من الضروري الوقوف مع الذات الفلسطينية من أجل إحداث حالة من التقييم الموضوعي والتقويم النقدي للجبهة الداخلية، لتلمس عناصر القوة والسعي إلى تراكمها، واكتشاف عوامل الضعف والعمل على ازالتها، أو على الأقل الحد منها في الواقع الفلسطيني الداخلي، خاصةً أن العقل الجمعي الوطني الفلسطيني حاضر بقوة في المشهد الفلسطيني سواء في الضفة أو غزة، هذا العقل الذي ولّد حراك مسيرات العودة كإحدى روافد الوحدة الوطنية في ميدان المواجهة ضد الاحتلال، فرغم صعوبة الواقع مازال الأمل الفلسطيني يقاوم، فإما ينتصر الفلسطينيون موحدون، أو ينهزمون فُرادى.