الرأي العام .. وفن اختلاق الأزمات
من يُدقّق قليلاً في ما يجري من حولنا، يلاحظ أن الرأي العام محلياً كان أو اقليمياً بل وحتى دولياً.. دوماً مشغولاً بقضية ما، تكون هي محطّ الاهتمام ، وتدور حولها النقاشات وتتصادم الأراء عندها بين مؤيّد ومُعارض، وتستمر تلك القضية مدة مُعيّنة، لتبرز بعدها قضية أخرى تستحوذ على الاهتمام وتتراجع سابقتها وتصبح طيّ النسيان.
قد يُجيد بعضنا التلاعُب بأفكار شخصٍ آخر وبإرادته، فينجح في زراعة أفكار ويدفعه لتبنّي قناعات معيّنة .. إن امتلك القدرة على التأثير والإقناع والتلاعُب بظروف محيطه، أو في الأقل تجييرها لصالح تفسيرها كما يريد ، وبما يؤيّد ما يريد تسويقه من قناعات.
تساعد على ذلك سذاجة المُستهدَف وقلّة وعيه، واندفاعه لتصديق وتقبّل كل ما يُقال ويُطرَح .. بل والتفاعُل معه بشكلٍ يدفعه لتبنّي الأفكار الدخيلة والعمل على نشرها، ومحاولة إقناع أمثاله بها، باعتبارها من الحقائق المُسلّم بها.. بل ومن المُقدّسات!
قد ينجح هذا مع فرد، فهل ينجح مع مجموعة؟ فكيف بشعبٍ وأمّة؟!
من يُدقّق قليلاً في ما يجري من حولنا، يلاحظ أن الرأي العام محلياً كان أو اقليمياً بل وحتى دولياً.. دوماً مشغولاً بقضية ما، تكون هي محطّ الاهتمام ، وتدور حولها النقاشات وتتصادم الأراء عندها بين مؤيّد ومُعارض، وتستمر تلك القضية مدة مُعيّنة، لتبرز بعدها قضية أخرى تستحوذ على الاهتمام وتتراجع سابقتها وتصبح طيّ النسيان.
هذه الأزمات أغلبها حقيقي وربما ليست مُفتعَلة.. لكن المُفتَعل والوهمي فيها، حجمها وحقيقة ما تحوي من تفاصيل ومقدار تأثيرها على المُستهدَفين منها.. فهناك مَن يسوّق الأزمة للعلن، ويدفعها للبروز والاستحواذ على اهتمام الناس، ويدفع الفضائيات لإقامة الندوات واللقاءات الحوارية حولها، ويشغل مواقع التواصل الاجتماعي بها.. فتصبح قضية رأي عام!
كثير من تلك الأزمات "تُختلَق" لأهدافٍ سياسيةٍ وتفاوضيةٍ بين الدول، لخلق رأي عام ضاغِط تجاه قضية ما، والبعض منها يختلقها مسؤول حكومي فاشل أو حزبه الذي يدعمه، لتخفيف الضغط عنه كأسلوبٍ قديمٍ ومعروفٍ في الهروب من المشاكل إلى الأمام.
بعض تلك الأزمات تختلقها مخابرات دولية، وجهات ومؤسّسات خفيّة.. بهدف إشغال الرأي العام محلياً أو عالمياً بموضوعٍ ما، ليتم إمرار موضوع وقضية أخرى يُراد لها أن تمضي بهدوء ومن دون لفت الأنظار لها لتجنّب أية ردود فعل غير محسوبة.
لنتحدّث عراقياً ونفكّر .. هل أزمة المياه مع تركيا هي وليدة اليوم أم تعود لتسعينات القرن الماضي؟ وهل أن الفشل في إيجاد حلول حقيقية لها جديد؟ وهل من الصدفة التركيز على أن الوزراء المعنيين بالموضوع كلهم ينتمون للتيار الصدري، خصوصاً مع ملاحظة أن الصدريين هم من حصدوا عدد المقاعد الأكبر خلال الانتخابات الأخيرة، وأن التفاوض على قدمٍ وساقٍ لتشكيل الحكومة؟!
هل من المعقول أن وزارة الكهرباء والتي تجري صياناتها خلال أشهر الاعتدال الربيعي، بين آذار وأيار سنوياً، في سياق فني روتيني مُعتاد.. لا تعلم أن هذه السنة وفي تلك الأشهر ستكون هناك موجة حر، وسيصادف شهر رمضان، وكذلك تُجرى الامتحانات النهائية.. وكلها معاً؟!
في عالم السياسة يندر وجود الصُدَف .. وكل ما يحدث هو مخطّط له أو يتم إدخاله لاحقاً ضمن المخطّط.
مَن يكون داخل حدثٍ مُعيّنٍ مؤثر عليه وضاغط، لن يرى الصورة كاملة، لكن من يكون خارج الحدث أو يحاول أن يرتفع عنه سيرى صورة أشمل .. وعندها سيرى أن هناك لعبة ولاعبين وبيادق تُحرّك.. وعنداً سيظن أنها لعبة تشبه لعب الأطفال.