لماذا تخترق السعودية.. الأزهر؟!

لايتوقف النظام السعودي عن محاولاته الدؤوبة لاختراق الأزهر وزرع الفكر الوهابي التكفيري بداخله، تارة يأخذ الاختراق شكل دعوة لعلماء الأزهر ليدرسوا في جامعات السعودية بمقابل مادي سخي للغاية، لإفسادهم وإخضاعهم لقبول ذلك الفكر الذي يقف خلف (الريال) المدفوع لهم.

لا يتوقف النظام السعودي عن محاولاته الدؤوبة لاختراق الأزهر وزرع الفكر الوهابي فيه

لايتوقف النظام السعودي عن محاولاته الدؤوبة لاختراق الأزهر وزرع الفكر الوهابي التكفيري بداخله، تارة يأخذ الاختراق شكل دعوة لعلماء الأزهر ليدرسوا في جامعات السعودية بمقابل مادي سخي للغاية، لإفسادهم وإخضاعهم لقبول ذلك الفكر الذي يقف خلف (الريال) المدفوع لهم.

وتارة من خلال دعوتهم للحج والعمرة والمؤتمرات الثقافية (بما فيه مهرجان الجنادرية الشهير) مجاناً بل ومصحوباً بمقابل مادي سخي.. وتارة أخيرة من خلال الهبات المالية الكبيرة التي يقدمها آل سعود لأعمال البناء والترميم لمباني وومؤسسات وجامعات الأزهر..

ولعل ما قام به الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد والطموح والمندفع) مؤخراً أثناء زيارته للقاهرة (4/3/2018) من افتتاح عمليات ترميم الجامع الأزهر على نفقة السعودية.. نموذج مهم للاختراق الوهابي المدعوم سياسياً ومالياً من الحكم السعودي! خاصة أنه يأتي بعد قرابة العام والنصف علي مؤتمر غروزني في الشيشان (25/8/2016) الذي قاده الأزهر وتم فيه استبعاد (الوهابية) من مفهوم (أهل السنة والجماعة)، بل واعتبارها دعوة شاذة ومعادية لصحيح الدين.

جاءت هذة الاختراقات لتعيد صياغة دور الأزهر وفقاً للمصلحة والهوى والفكر الوهابي السعودي من جديد، وهو ما يمثل بالمقابل تقويضاً تاريخياً لدور الأزهر ورسالته التجديدية والتنويرية المنفتحة، إن هذة الاختراقات تدفعنا هنا إلى إعادة تذكير أهل العلم والمسؤولية في الأزهر ومؤسسات الحكم في مصر إلى حقيقة الدور الوطني والقومي لهذه المدرسة العلمية، والذي يريد آل سعود تقويضها لصالح الوهابية في ثوبها الجديد الذي أكسبه إياها محمد بن سلمان بخياراته الأميركية - الإسرائيلية واندفاعاته التي لا تنتهي.

بداية يحدثنا التاريخ - وهو عادة لا يكذب – أن الأزهر الشريف كمؤسسة دينية أنشئت عام (359هـ / 970م) وافتتح فى العام 393هـ - 974م) لعب دوراً سياسياً بارزاً في التاريخ المصري والعربي، بالإضافة إلى رسالته الفكرية والحضارية، ومر هذا الدور بمرحلتين أولاهما: قبل عصر محمد علي، حين كان الأزهر يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلال عن السلطة السياسية، وكان له نظامه الدراسي الخاص الذى تقرره هيئة علمائه وشيخه الذي يختار بمعرفة هذه الهيئة، ومصادر تمويل نشاطه العلمي المستقلة التى تستمد من الأوقاف التى أوقفها السلاطين وبعض الأثرياء عليه وحددوا في حجج وقفها كيفية التصرف في ريعها وتولي العلماء إدارتها دون تدخل من جانب الحكام .

ثانيتهما: تبدأ مع قدوم الحملة الفرنسية وتتضح أكثر مع تولي محمد علي للحكم من خلال تعضيد رجال الأزهر له بعد بروز قوتهم السياسية وإجبارهم للسلطان العثماني على تحقيق مطالبهم بتولية محمد علي ، ولكن الأخير لا يلبث أن ينتزع الدور السياسي لهذه المؤسسة من خلال تأكيد تبعيتها للدولة مالياً، بنزع إشراف العلماء على أوقافه، وبالتدخل في اختيار شيخ الأزهر عن طريق التأثير على هيئة العلماء التى تتولى انتخابه وخاصة أن ممارسة الشيخ لصلاحياته تحتاج إلى تصديق الدولة على اختياره، ثم أصبحت الدولة هي التي تتولى تعيين شيخ الأزهر من بين العلماء الذين تثق في ولائهم لمن يجلس فى سدة الحكم.

وبذلك فقد الأزهر استقلاليته وتم تحجيم دوره التقليدي، وكان لإنشاء النظام التعليمي الحديث في عصري محمد علي وإسماعيل أثره الداعم لهذا الاتجاه، ومع الجهاز البيروقراطي الحديث أصبح المجال متسعاً أمام خريجي النظام التعليمي المدني الحديث لاحتلال مراكز البيروقراطية المصرية، بينما ضاقت فرص الأزهريين في نيل نصيب منها.

 

على الرغم من هذا كان للأزهر دور سياسي واضح فى الفترات التاريخية التى عاصرت التحدي الإسلامي للنموذج الغربي، فكانت تحركات جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ذات إطار سياسي يرتكز على الأزهر، وكان الأزهر إبان الثورة العرابية واضحاً فى تأييد زعمائها، بل وخرج رجالها وفى مقدمتهم عرابي من الأزهر وكان والده ولمدة عشرين عاماً أحد علماء الأزهر واحتضن الأزهر ثورة 1919 وخرج الأزهريون يطالبون بالاستقلال وبالوحدة الوطنية وكان فى مقدمتهم: مصطفى القاياتي ومحمود أبو العيون وعبد ربه مفتاح ومحمد عبد اللطيف دراز وعلي سرور الزنكلوني، وتعددت مواقف الأزهر الوطنية وخاصة في أحداث الكفاح الوطني ضد الأجنبي.

ونصل من استعراض المواقف السياسية للأزهر إلى القول بأنه عندما تكون المواجهة مع الأجنبي فإن رجال الأزهر ينضمون إلى قوى الثورة الوطنية، ولكنهم يخرجون عندما تكون المواجهة مع الحاكم بهدف الثورة والتغيير الاجتماعي.

ويذهب أصحاب تلك النظرة إلى أنه للاعتبارات الخاصة بالتمويل وسطوة السلطة السياسية في مواجهة الأزهر فإن دوره السياسي يبرز عندما تكون المواجهة مع أجنبي يتفق عليه الجميع بما فيهم السلطة السياسية، ويغيب هذا الدور عندما تكون المواجهة نحو الداخل؛ أي السلطة السياسية.

 

وفي مرحلة ما قبل الثورة كان للأزهر دوره البارز في التصدي للمحتل الإنجليزي (فى مصر) وبعض البلاد العربية.

وبعد ثورة 1952 دخل الأزهر في دائرة الاهتمام السياسي للنظام الجديد منذ الأيام الأولى له، وأصبح دوره الوطني مميزاً، خاصة بعد إصدار عبد الناصر لقانون تنظيم الأزهر والذى حمل رقم 103لسنة 1961، الذي واكب الأزهر من خلاله العصر وانخرط وبقوة في معارك الحركة الثورية الناصرية السياسية في مواجهة العو الصهيوني والأميركي، وفي زمنه أصدر الفتاوى التقريبية العظيمة بين أهل السنة والشيعة (لعلنا نتذكر هنا الفتوى الشهيرة للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر آنذاك) والتي أجازت وبانفتاح إسلاميٍ راقٍ التعبد على مذهب الشيعة الإثني عشرية، واستمر هذا الدور التنويري والثوري إلى أن جاء عصر (السادات) وتحولت مصر إلى نقيض سياسات ومواقف عبدالناصر، فتأثر الأزهر وضعف دوره.

واليوم ووسط الصراعات التي تجري في المنطقة وانتشار الفكر الوهابي المتشدد القادم من السعودية والذى اخترق الأزهر ذاته، وسيزداد الاختراق كلما اقترب الأمير محمد بن سلمان من حكم السعودية.

إن مواجهة هذا الاختراق أصبح يمثل مسئولية، وهي تحرير الأزهر منه، وهي مسؤولية المثقفين كافة وليس الأزهريين منهم فحسب، لأن الأزهر تاريخياً كان مؤسسة وطنية وسياسية بقدر ما كان مؤسسة دينية تنشر وتحمي الفكر الإسلامي المعتدل والمستنير والثوري (كما فى زمن عبدالناصر)، إن (الأمة) بقضاياها المتفجرة ومقدساتها المهددة (سواء في مكة أو القدس) تحتاج اليوم إلى الأزهر ودوره التاريخي المؤثر، إنها لا تحتاج إلى شيوخ موظفين تابعين للسلطة، ولكنها تحتاج إلى قادة فكر ودين وحملة مشاعل للمقاومة والعدالة، ونحسب أن الأزهر وباقي المؤسسات الدينية ذات الخطاب الديني المعتدل، تقف في مقدمة الصفوف لحمل أمانة هذه المسؤولية؛ مسؤولية حماية المقدسات ومواجهة دعاة الفتنة وسفك الدماء والتبعية للغرب من أصحاب الفهم (الداعشي) للدين، ومن أصحاب فقه البداوة والجهل القادم إلينا في حلة وهابية جديدة، يقوده (محمد بن سلمان وجماعته) ظاهرها الخادع التحديث والتقدم، لكن قلبها وجوهره أميركي السياسة، (وهابي) العمق والفهم.