أي أجندة للحوار بين دمشق والكرد؟

قد يكون لدى الكرد أحلام أو أوهام كيانية وضعتهم في مواجهة دمشق، غير أن تفكيكها أو احتوائها لا يكون بالعنف، وإنما بالسياسية والشراكة والتنمية والديمقراطية.

تحاول واشنطن أخذ الكرد رهينة أحلامهم ومخاوفهم

لم تحدث مواجهات كبرى بين دمشق والكرد، إلا أن العلاقة بينهما تبدو أكثر تعقيداً، مقارنة بقضايا كانت أكثر عنفاً وتدميراً، أمكن التوصّل فيها إلى حلول، كما جرى مؤخراً في الغوطة والرستن، حيث أُزيلت حدود صُنعت بالعُنف والدم، وأما الحدود بين دمشق وكردها فلا تزال محروسة برهانات دامية!

الخطورة ليست من الكرد، وإنما من طبيعة استخدام واشنطن لهم "ورقة" لتنفيذ رهاناتها حول سوريا والمنطقة، فواشنطن تريد أن تجعل من "شرق الفرات" قاعدة انطلاق ضد دمشق، والضغط على عملية التسوية، قُل مستقبل النظام السياسي والدولة في سوريا، وضد إيران وروسيا، وهذا ما يكرّر التعبير عنه مسؤولون من واشنطن وتل أبيب ولندن والرياض.

بعد اتفاق واشنطن وأنقرة على خارطة طريق خاصة بـ منبج، والتي "سوف تُطبَّق على مُدنٍ أُخرى" كما قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، أخذت مدارك الكرد بالتَغَيُّر، ذلك أن المظلّة الأميركية ليست آمنة كفاية، بل أخذت تتحوّل إلى تهديد، ولكنهم لا يقوون على رَفْعِ الصوت، إذ أن سيف "داعش" وأردوغان مُسلط عليهم.

إن الخيار الرئيس الممكن أمام الكرد - بافتراض قراءة عقلانية للأمور - هو فتحُ باب الحوار مع دمشق، التي لم تغلقه أساساً، وتغييرُ الرؤية والنمط، إذ أن الباب المذكور لم يعد باباً للضغوط والابتزاز والمساومات، كما كان سابقاً. وعندما يفعل الكرد ذلك، فسوف يتحرّرون من مأزقٍ بالغِ الخطورة، فقد نهضوا ضد داعش ثم اضطّرتهم واشنطن للتعامُل معها، بل وحتى تهريب وإيواء مقاتليها؛ ودعمتهم تجاه تركيا ثم توافقت معها عليهم وأخرجتهم من منبج؛ ووضعهم في مواجهة الجيش السوري، ومن المرجّح أن تتخلّى عنهم مع أول تفاهُم أو تسوية مع روسيا في سوريا؛ ولا بد من أن يتذكّر الكرد أن مُسلّحي الغوطة والرستن والقلمون وعرسال وغيرها سبق أن راهنوا على واشنطن أيضاً.

تحاول واشنطن أخذ الكرد رهينة أحلامهم ومخاوفهم، لكن التطّورات كانت صادِمة، لا الأحلام تحقّقت ولا المخاوف زالت، وثمة في دمشق مَن يرى أن الحوار قد يُحرّرهم مما هم فيه، ويساعدهم على العودة إلى الواقع، ويُشجّع التيّار السوري ضمنهم، ذلك أن فيهم تيّارات وتوجّهات مختلفة، وليسوا تياراً أو خطاً واحداً.

عندما قال الرئيس بشّار الأسد إنه سوف يتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية بوصفها "المشكلة الوحيدة المتبقّية" في سوريا، وذلك عبر خيارين، هما "المفاوضات" أو "القوّة" حتى بوجود القوات الأميركية، فقد وضع الإطار العام للأجندة المفترضة بين دمشق والكرد، وهو الحوار أولاً، وإن لم يكن فالحرب، ليس الحرب ضد الكرد بوصفهم كرداً إنما بوصفهم، مَن كان منهم، ورقة بيد واشنطن. وعندما قال الأسد إن واشنطن سوف تخرج من شرق سوريا، سِلماً أو مواجهةً، فهذا كلام موجّه للكرد أيضاً، وربما قَبْلاً، بمعنى: لا تأمنوا لحماية واشنطن، لأنها ستُغادر عاجلاً أم آجلاً، وليس أمامكم إلا دمشق.

عندما يرفض الكرد أن يكونوا ورقة بيد واشنطن، فهذا هو رِهان الرئيس الأسد، بل هو شرطه الرئيس، ومنه يبدأ الحوار بين دمشق وكردها. وإذا ما تتبّعنا تحوّلات العلاقة بين الطرفين، منذ آذار/مارس 2011، مُسالمةً ومُواجهةً، تقارباً وتنافراً، وخاصة تصريحات الرئيس بشّار  الأسد واستجابات الكرد لها، أمكن الحديث عن الإطار الممكن لـ "أجندة مُمكنة" بين الطرفين يمكن تركيزها في النقاط الرئيسة التالية:

  • الوحدة الكيانية والجغرافية لسوريا.
  • فك ارتباط الكرد بالتحالف الدولي الأميركي وبأية مشروعات إقليمية أخرى مطروحة.
  • أولوية الحل السياسي.
  • التوافق ما أمكن على السياسات العامة لسوريا لما بعد الحرب.

وأما ما له أولوية لدى الكرد فهو:

  • الضمانات السياسية والأمنية، بما في ذلك "الدفاع الذاتي" أو "المحلي"، ويمكن أن تكون روسيا وإيران ضامنتين.
  • المداولة في القضايا الأكثر أولوية مثل: الدستور وطبيعة النظام السياسي والإداري، بما في ذلك قوانين الأحزاب والجمعيات والانتخابات، وإعادة تشكيل إداري لبعض المناطق والمحافظات.
  • التنمية المتوازنة أو العادلة.
  • الحقوق الثقافية واللغوية، بما في ذلك قضايا التعليم والنشر والإعلام.
  • جَبرْ الخاطر أو ما يُعرف بالتعويضات المادية والمعنوية لمتضرّري الحرب.
  • تفكيك عوامل الاحتقان، القديم منها والجديد، ورفع المظالم حيث وُجدت.

تلقّى الكرد مواقف دمشق بإيجابية غير مسبوقة، وقال مجلس سوريا الديمقراطية إنه مستعد لحوار "من دون شروط"، بما في ذلك التخلّي عن الطموحات الكيانية وجغرافيا "روج آفا"، على ما قال صالح مسلم الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي، مُضيفاً، "إذا توافقت مصالحنا مع الأميركيين فسنسير معهم، وإذا توافقت مع الروس فسنسير معهم، وإذا توافقت مع النظام فسنسير معه". (10 حزيران/يونيو الجاري). ويبدو أن الأمور تسير على "خط دمشق" هذه المرة.

قد يكون لدى الكرد أحلام أو أوهام كيانية وضعتهم في مواجهة دمشق، غير أن تفكيكها أو احتوائها لا يكون بالعنف، وإنما بالسياسية والشراكة والتنمية والديمقراطية. والأفضل للكرد هو العودة إلى مقولات الزعيم عبد الله أوجلان عن الدول التعدّدية والإقليم التعدّدي الديمقراطي، وقد تكون دمشق أقرب لقبول هذا المنطق. وهذا ما يمثّل أجندة حوار مشترك، حتى يكون الطرفان، دمشق وكردها، أبطال الفُرَص الضائعة أو المُفوَّتَة.