كيف يحاول ماكرون مع روسيا إنقاذ الاتفاق النووي؟

تابع الرئيس الفرنسي مع بوتين هجومه الدبلوماسي ضد رغبات إجهاض الاتفاق النووي من قبل أميركا، تحدوه رغبة قوية لتحقيق تقارب بين روسيا وأوروبا حيث صرح قائلاً "أريد أن أربط روسيا بأوروبا".

تفاؤل روسي حَذِر قابل حماسة ماكرون

يأمل الرئيس الفرنسي أن يظهر بصورة قدرته على اجتراح المعجزات في حل الأزمات المستعصية، من دون أن يمتلك حلول فعلية صعبة. في سعيه لإنقاذ الملف النووي يستخدم أسلوب "كاتا" المعروف في لعبة الجيدو ويعتمد على سلسلة متابعات وتحركات وهمية كما ظهر في زيارته ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

أظهر ماكرون خلال زيارته للرئيس الروسي في آخر لقاء ودي احتضنته مدينة سانت بطرسبرغ محاولة الوصول إلى حل وسط للحفاظ على ماء وجه أوروبا ولإنقاذ مصالحها مع إيران دون التفريط بشراكة أوروبا مع الولايات المتحدة الأميركية.

فهل يتوفر لأوروبا هامش مناورة يخولها اللعب في الوقت الضائع قبل إنطلاق صافرة انتهاء جولة المواجهة التي تبدو الأخيرة في صراع المصالح المتضاربة بين مختلف القوى الكبرى حول الشأن الإيراني؟

تابع الرئيس الفرنسي مع بوتين هجومه الدبلوماسي ضد رغبات إجهاض الاتفاق النووي من قبل أميركا، تحدوه رغبة قوية لتحقيق تقارب بين روسيا وأوروبا حيث صرح قائلاً "أريد أن أربط روسيا بأوروبا".

ولَم يتوقف عند ذلك بل استشهد بمقولات تاريخية لمفكرين روس مثل دوستويفسكي وتولستوي وسولجنتسين، على أمل "استعادة الثقة" وطي صفحة "سوء الفهم".

تفاؤل روسي حَذِر قابل حماسة ماكرون خاصة من طرف النخبة كما ذكر "أندري شارونوف" أحد الشخصيات النخبوية الروسية، مضيفاً "نشعر بصدق الرئيس الفرنسي ماكرون في توجهاته نحو التقارب مع روسيا، لكن خطابه الطويل، كان ذو مرجعية أدبية مصطنعة إلى حد ما، بينما ظل فارغاً من مقترحات فعلية وكأنه يريد خلق فرق كبير بين واشنطن وموسكو، دون أن يكون مخيراً ..."

بعيداً عن مطالبة بعض الدول بمقاطعة كأس العالم التي ستبدأ بعد أيام في روسيا، قطع ماكرون وعداً بحضور نصف نهائياتها، بل والأدهى من ذلك، أن طلب التقارب من طرف الرئيس الفرنسي كان ملموساً بنبرة خطابه أكثر مما يعكسه محتواه!.

تجنب المواضيع الشائكة

وجهات نظر الإليزيه والكرملين تظهر غير متقاربة وبعيدة عن الاتفاق، وفي نقاط مختلفة وشتى، فعلى سبيل المثال يظهر الاختلاف في رؤى ونقاط مثل:

1-سُبل "إكمال" الاتفاق النووي الإيراني الذي رفضته واشنطن.

2- أوكرانيا وعدم وجود أي مبادرة عملية لإنعاش السلام فيها.

3-الحالة السورية، أعلن الرئيسان عن إنشاء "آلية" لتنسيق المناقشات حول عملية الانتقال السياسي، لكن اختلافهما الجوهري ما زال يدور حول دليل استخدام دمشق للسلاح الكيماوي والذي ينغص سلاسة المفاوضات.

4-محاولة تسميم الجاسوس الروسي السابق في المملكة المتحدة، والتي تسببت في عمليات الطرد الأخيرة للدبلوماسيين، تم أيضاً تجاهلها.

ديناميات اقتصادية جديدة

على الصعيد الاقتصادي مع وصول إيمانويل ماكرون وبعد محادثاته الثنائية في منتدى سان بطرسبورغ - وهو نوع من "دافوس روسي"- شُهٍد إطلاق ديناميكية جديدة، حيث أرسل إيمانويل ماكرون للشركات الفرنسية إشارة واضحة مطالباً إياها "القيام بعمل أفضل بكثير" لتوطيد العلاقات التجارية بروسيا. ومن جهته أًمِلَ "دينيس مانتوروف" وزير الصناعة والتجارة الروسي أن يلتقط المستثمرون الفرنسيون رسالة ماكرون وأضاف "نحن ننتظر البقية". وقد أتت البقية عبر توقيع عقود بملايين اليوروهات الفرنسية وبدعم من صندوق الاستثمار الروسي.

فهل نجحت فرنسا في التخفيف من حدة موجة القرارات الأميركية، والالتفاف على تهديداتها بفرض عقوبات جديدة؟، والتي قد تشكل -خارج حدودها- سحابة على الاستثمار الفرنسي في روسيا.

من جانب آخر، أين موقع إيران في سياق هذه التحركات السياسية والدبلوماسية الغربية؟ وما موقفها من المشاورات والبرامج التي تسوقها القوى العظمى في محاولاتها لإنقاذ ما تبقى من الاتفاق النووي؟.

إحترام طهران للاتفاق النووي

سباق ماراتوني دبلوماسي تشارك فيه الدول الأوروبية لتظهر رغبتها المشتركة في عدم تقويض الاتفاق النووي الإيراني. خاصة وأن الموقعين على ذلك الاتفاق يعملون جاهدين للتأكيد على أن إيران تحترم شروط العقد المبرم بتعزيز من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 

على الرغم من إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران يبدو أن إيران حددت بصورة واضحة موقفها من اتفاق فيينا بسبع نقاط كشرط لبقائها في الاتفاق النووي، والتي وصِفت كتحدٍ صريح لموقف ترامب الأخير محرجة بذلك الأوروبيين ومتصورة أنها في موقف قوة يخول لها حق النقض والإبرام.

فهل ستلجأ أوروبا لتشكيل جبهة قوية ونواة صلبة أمام ما تراه مغامرة أميركية غير محسوبة، بل ويراه الكثيرون قراراً تعسفياً وأحادي الجانب؟ أم أنها ستخضع كالعادة وستصطف وراء الولايات المتحدة الأميركية مضحية بمصالحها مع إيران والتي يبدو أن طهران قد حسمت موقفها مسبقاً؟