مسيراتُ العودةِ وكَسْر الحصار ومُتطلّبات الاستمرار
مسيرات العودة وكَسْر الحصار في سقف طموحها الأدنى، البحث عن إيجاد ثغرة في جدران الحصار، تستطيع المقاومة الفلسطينية في غزّة من خلاله تعزيز صمود حاضنتها، وإفشال مخطّط تجفيف منابعها الجماهيرية، لذا تلك المسيرات تخوض بدماء شهدائها وأطراف جرحاها المبتورة بسلميّتها معركة انغلاق الأفق السياسي، هذه المعركة التي تجلّت في ملحمة يوم الحشد الأكبر في 14/5، التي خلقت قناعة لدى العدو قبل الصديق، أن لا حل إلا بفكّ الحصار عن غزّة، لأن انفجار غزة لن يتجّه إلا لجهة الاحتلال الصهيوني، وأي رهان آخر قد بات من الأمنيات.
هزيمة الاحتلال لا تأتي بالضربات القاضية هذه سُنّة التاريخ، الانتصار عليه تأتي نتيجة فعل تراكمي لجملة من إنجازات الجولات الكفاحية المُتعاقبة، التي تخوضها الشعوب في حربها الشاملة ضد مُستعمريها، بمعنى أن ثورة النَفَس الطويل لنضالات الشعوب هي التي تنتصر في نهاية المطاف على فائض قوّة الاحتلال، حيث أنه في الوقت الذي اعتقدت فيه "إسرائيل" وشريكتها الولايات المتحدة الأميركية، ووكلائها في المنطقة أنه من المُمكن تصفية القضية الفلسطينية، من خلال مساعيهم الحثيثة لإغلاق أية آفاق سياسية أمام المقاومة الفلسطينية في غزّة، وممارسة سياسة الخنق، والحصار، والتجويع، اعتماداً على تسلسل "ماسلو" الهرمي للاحتياجات والأولويات، لضرب الحاضِنة الشعبية للمقاومة، وإحداث نوع من الانفصام الداخلي بين المقاومة والشعب في غزّة، فتصبح المقاومة أمام خيارين، إما أن تستسلم للمُخطّط الصهيو أميركي تحت وطأة احتياجات جماهيرها المُحاصَرة بلقمة عيشها، هذا المُخطّط الذي لا يقبل بأقل من سرقة تاريخنا كفلسطينيين، وصَهْر وعينا كعرب، فيتحوّل دورنا في المستقبل الصهيو - أميركي للمنطقة في أحسن أحواله، مرتزقة في حروب "العهد الترامبي الجديد" ضد آخر معاقل الكرامة في الأمّة، والخيار الثاني، أن نذهب إلى حرب اليائس مع دولة الاحتلال في ظلّ حسابات فلسطينية وإقليمية ودولية مُعقّدة، نسبة احتمالية ترجمة صمود المقاومة في ساحة المعركة لمكاسب سياسية ضئيل جداً، وفي كلا الخيارين المطلوب تصفية إرادة المقاومة في معقلها الأهم في فلسطين بشكلٍ عام وفي غزّة بالخصوص.
الإبداع الفلسطيني المقاوِم تجلّى بأبهى صوَره في ابتكار أسلوب المقاومة الشعبية السلمية تحت شعار مسيرات العودة وكَسْر الحصار، التي هدفها الأقصى أن يأخذ اللاجئ الفلسطيني زِمام المبادرة في تطبيق حق العودة المكفول له دولياً، والتأكيد على منطق الثوابت الفلسطينية، التي تُعزّز الوعي المقاوِم لدى الجماهير الفلسطينية، وتُعيد مركزية القضية الفلسطينية للأمّة من جديد، ورغم عدم نجاح مسيرة العودة حتى الآن في تنفيذ حق العودة على أرض الميدان، لكنها نجحت بالتأكيد في إعادته إلى ساحات الوجدان الفلسطيني، والوعي العربي، والضمير العالمي، بعد أن ظنّ نتنياهو أن الصمت العربي لن يعلو على أصوات احتفالاته مع الجميلة "إيفانكا ترامب" بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
مسيرات العودة وكَسْر الحصار في سقف طموحها الأدنى، البحث عن إيجاد ثغرة في جدران الحصار، تستطيع المقاومة الفلسطينية في غزّة من خلاله تعزيز صمود حاضنتها، وإفشال مخطّط تجفيف منابعها الجماهيرية، لذا تلك المسيرات تخوض بدماء شهدائها وأطراف جرحاها المبتورة بسلميّتها معركة انغلاق الأفق السياسي، هذه المعركة التي تجلّت في ملحمة يوم الحشد الأكبر في 14/5، التي خلقت قناعة لدى العدو قبل الصديق، أن لا حل إلا بفكّ الحصار عن غزّة، لأن انفجار غزة لن يتجّه إلا لجهة الاحتلال الصهيوني، وأي رهان آخر قد بات من الأمنيات.
الخطط السياسية دائماً لا تعتمد على سيناريو واحد، بل على الدوام هناك خطّة بديلة، حيث بات من الواضح أن الحراك السياسي، الذي تلى ملحمة يوم النكبة، الهادِف لتخفيف الحصار عن غزّة، أن الفاعلين الرئيسيين فيه، ليس لديهم أي تناقُض رئيسي مع المخطّطات الصهيو - أميركية في المنطقة، فآخر اهتمامات مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط "جيسون غرينبلانت"، ومنسّق شؤون المناطق في جيش الاحتلال الإسرائيلي "بولي مردخاي"، وحلفاء دولهم في المنطقة، فك الحصار عن عاصمة المقاومة "غزّة"، ولكن هي محاولة لاتّخاذ خطوات استباقية ماكِرة بهدف قَطْع الطريق على أي حراك سياسي اقليمي أو دولي تجاه حل المأساة الإنسانية في غزّة بعيداً عن المصالح الصهيو - أميركية، فشروط دولة الاحتلال لأي نوع من أنواع فك الحصار عن غزّة مرتبطة بأمرين، تحدّث عنهما نتنياهو منذ الإعلان عن المُصالحة الفلسطينية في القاهرة في شهر تشرين أول/ أكتوبر من العام المُنصَرِم, وهما نزع سلاح المقاومة من جهة، والاعتراف بشروط الرُباعية من جهة أخرى، والشرطان يصبّان في اتجاه فصل غزّة عن محور المقاومة في المنطقة ضد المشروع الصهيو - أميركي، وهذا يُدلّل على خوفهم الحقيقي من استحضار نموذج حزب الله في غزّة، الأمر الذي عبَّر عنه بصراحةٍ أكثر من مسؤول "إسرائيلي".
لإفشال الخطة الصهيو - أميركية الالتفافية، يجب العمل على تحقيق أهداف مسيرة العودة وكَسْر الحصار، الأمر الذي يتطلّب تحقّق عنصرين:
1- عنصر ذاتي مرتبط بالفلسطينيين أنفسهم، حيث الحفاظ على ديمومة استمرارية مسيرات العودة وكَسْر الحصار، مع الحرص الدائم على تقييم أدائها، ومراكمة إنجازاتها، وعدم التسرّع بقطف ثمارها، وقراءة مُتجدّدة للبيئة السياسية المواكِبة، كل ذلك من خلال وحدة مشاركة فلسطينية في القرار تجسّد الوحدة الوطنية الشاملة مع الالتزام بالخطاب العقلاني الموجّه لحاضنة المسيرة الشعبية.
2- العنصر الموضوعي، وهذا يتعلّق بحلفاء المقاومة الفلسطينية، وكل أحرار العالم، حيث من واجبهم تجاه غزّة المقاوِمَة بنزفِها وأشلائها، توفير شبكة أمان سياسي ومالي، ودولي، وإعلامي, تعزز من قوّة المُمانعة لديها ضد تيّارات الإنجراف صوب الحلول الانهزامية على وقع الأزمات الإنسانية فيها، حيث لن تُجدي غزّة نفعاً التصريحات السياسية، ولا حتى التظاهرات المليونية، ما لم تُترجَم على أرض الواقع فعلياً إلى خطط إنقاذ سياسية واقتصادية تُعزّز صمود المقاومة في غزّة وحاضنتها الشعبية.