حديث العدوان الثلاثي على سوريا في فرنسا

انتهك الرئيس دونالد ترامب القانون الأميركي، ولا سيما قرار سلطات الحرب أو ما يُسمّى بالإنكليزي War Power Resolution ظناً منه أن الضربة الثلاثية ستعيد شرعيته وتُنسي العالم رعونته وستنقذ صورته... وتنقله من الرئيس المُغرّد إلى الزعيم المُنفّذ، وستعطيه مُبرراً لإلغاء طلبه بسحب الجيش الأميركي من سوريا رغم انتهاكه القانون الأميركي.

بعض المراقبين الدوليين يتكهنون بإمكانية مشاركة تحالف عربي في الصراع السوري

فرنسا لا تريد إزاحة نظام الرئيس بشّار الأسد لكن تريد " ترويضه" وبالأحرى "تطويعه"، وهي تعي تماماً أن ضربة ليلة الرابع عشر من شهر أبريل 2018 لا تكفي لإسقاط نظام بشّار الأسد أو أن تغيّر مسار الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ سنوات... لكنها أرادت إظهار أن الخطوط الحمراء لا يمكن أن تمر من دون عقاب. وأن الخط الأحمر هنا هو فقط استخدام الأسلحة الكيميائية.

خشي الجيش الأميركي والبنتاغون من صراع مُحتمَل مع روسيا فأجرى مفاوضات مُكثّفة قبل أسابيع مع وزارة الدفاع الروسية... ويعتقد أن وزير الدفاع ماتيس قد ردع ترامب وأوقفه عن القيام بضربة أكبر لتجنّب حرب عالمية ثالثة كانت على وشك الحدوث.

ليلتها تم إطلاق 107 صواريخ وقذيفة كروز على موقعين للبحوث العلمية وعلى ثمانية مطارات عسكرية في سوريا من قِبَل القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية. قبلها تم تحذير القوات الروسية والسورية... وتم إجلاء الجنود والموظفين والمعدّات...

لم تردّ القوات الروسية لأن مناطقهم وتجمّعاتهم في سوريا لم تكن مُستهدَفة.. فيما نجح الدفاع الجوي السوري في إسقاط 71صاروخاً أو حرفها قبل أن تصل إلى أهدافها لكن البنتاغون يؤكد أنه لم يتم تدمير أي من صواريخه أو تحويله عن الهدف!

 مع شدّة القصف خفّت الضغوط من وسائل الإعلام والمحافظين الجُدد على شنّ حرب أوسع نطاقاً ضد سوريا (وروسيا) في الأسابيع الأخيرة، وتم إرضاء السيناتور جون ماكين، الذي يريد المزيد من الحروب في الشرق الأوسط.

 انتهك الرئيس دونالد ترامب القانون الأميركي، ولا سيما قرار سلطات الحرب أو ما يُسمّى بالإنكليزي War Power Resolution ظناً منه أن الضربة الثلاثية ستعيد شرعيته وتُنسي العالم رعونته وستنقذ صورته... وتنقله من الرئيس المُغرّد إلى الزعيم المُنفّذ، وستعطيه مُبرراً لإلغاء طلبه بسحب الجيش الأميركي من سوريا رغم انتهاكه القانون الأميركي.

التأثير المُرتد المُحتمَل للعدوان الثلاثي

لكل فعل ردّة فعل وقد لا يكون حتماً المُتوخى والمُتوقَع!

ما حصل في سوريا، هو دعوة للمجموعات المسلحة وأولئك الذين يؤثّرون عليهم للقيام بعمليات تمويه كلما أرادوا ذلك.

سيكون لتجاهُل الولايات المتحدة الواضح للقانون الدولي وللمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والوكالة الدولية للطاقة الذرية عواقب وخيمة وتداعيات سيّئة... يمكن للولايات المتحدة الآن بالتأكيد أن تقوّض أي اتفاق متوقّع لنزع السلاح مع كوريا الشمالية والأعذار عند ترامب دائماً متوافرة وجاهزة.

بعد الهجوم الأخير الذي شنّته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا على سوريا، يتكهّن بعض المراقبين الدوليين بزيادة تطوّر الوضع وإمكانية مشاركة تحالف عربي في الصراع السوري.

تتزايد التقارير الإعلامية حول "التحالف العربي" المُحتمَل الذي يمكن تشكيله لدخول سوريا، ومكافحة الجماعات الإرهابية وكبح "النفوذ الإيراني"، على الرغم من أن السعودية والإمارات العربية المتحدة، مُقترحتا هذه الخطة، غارقتان في مستنقع حرب اليمن ودوّامتها المستمرة.

ورغم كل التبريرات التي قُدّمت من طرف المُساندين لهذا القصف الثلاثي ظاهرياً.. والمُتعدّد الأطراف في باطنه، يتساءل المتابع للوضع في سوريا بل ويرى ما يلي:

1- العدوان لم يؤثّر على نظام الرئيس بشّار الأسد، والقوات المسلّحة السورية التابعة للنظام والتي تستعيد عافيتها يوماً بعد يوم وستتمكّن من مواصلة استعادة الأراضي التي خسرتها في الأسابيع القادمة.

فلو جرت الانتخابات غداً في سوريا، فسوف يفوز فيها من دون أية صعوبة وبنسبٍ قد تتعدّى بكثير تلك التي حصل عليها ترامب وماي وماكرون في بلدانهم.

2- بما أنه من المفترض أن الدول الثلاث : الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا والمملكة المتحدة قد قامت بتدمير مخزون الأسلحة الكيماوية و مراكز تصنيعها ، فهذا يعني مبدئياً أنه سيكون من الصعب أو بالأحرى من المستحيل تحميل نظام بشّار الأسد مسؤولية استخدام جديد للكلور والسيرين في الأشهر قادمة ويحميه من أية مساءلة جديدة بتهمة انتهاكه للخطوط الحمراء في الحرب السورية.

3- لم تخاطر الدول الثلاث المتحالفة بمهاجمة روسيا أو إيران على الرغم من أنه تم تحديدهما بوضوح كمسؤولتين عن "الهجوم الكيماوي ".

هل هو اعتراف بالضعف أمام هاتين الدولتين الكبيرتين أم أن جيوسياسة المصالح يظل صوتها أعلى من صوت صرخات وأنين القتلى والموجوعين من هذه الحرب المستعرة في سوريا والتي وصل تعداد قتلاها إلى الآن ما يزيد عن النصف مليون قتيل.

4- للمرة الأولى منذ عام 1945، (إذا استثنينا تدخّلها بالهجوم على صربيا في مارس سنة 199) خرجت فرنسا عن الشرعية الدولية عن طريق كسر الضوء الأخضر للأمم المتحدة على حساب سمعتها وصورتها كراعية للسلم باعتمادها على "التقييم الوطني"، الذي قدّمته الحكومة لتبرير الضربات، وهو وثيقة مكتوبة بشكلٍ واضح من قِبَل أحد المراسلين وليس من قِبَل وكالة مخابرات ما يفقدها أية قيمة أو مصداقية قانونية.

5 - هل أنقذت الصواريخ التي قيمّت بحوالى 20 مليون يورو، صورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التي بهتت بسبب المشاكل الداخلية في فرنسا (قانون العمل - إضرابات عمال شركة السكك الحديدية - أعمال الشغب في الثانويات - تمرّد طلاب الجامعات بسبب التغييرات المُقترحة - مُعاداة السامية وهلمّ جراً ...)؟

6 ـ اختيار توقيت العدوان هل له علاقة بإطلاق نار القنّاصة الإسرائيليين على الفلسطينيين؟ وهل هي محاولة تمويه لإشغال الرأي العام وإلهائه عما حدث ويحدث في فلسطين؟

وأخيراً:

لماذا تم قصف سوريا عشيّة زيارة الخبراء لتقصّي حقيقة استعمال الغاز الكيماوي؟

الآن وبعد انقشاع آثار الغبار فلا يبدو في الأفق أي تغيّر قريب للوضع في سوريا لا عسكرياً ولا حتى سياسياً، فبشّار الأسد لم يستعد فقط الأرض بل استعاد أيضاً المواقف التي فقدها، ويوماً بعد يوم، يقترب من فرض وجوده بل وضرورة التعاطي معه من قِبَل بعض الدول الكبرى في أية محادثات سلام سوريّة وعدم استبعاده كما كانت تريد وتُلحّ المعارضة السورية ومَن وراءها ومَن يدعمها.. وذلك في إطار حل لن يكون إلا دبلوماسياً وسياسياً بكل الأحوال.