نظرة مصرية لقضايا الكرد

ومن الضروري القول إن مأساة الشعب الكردي لم يصنعها العرب ولا الأتراك ولا الإيرانيون، فمأساة الكرد تُعتبر صناعة استعمارية، فمعاهدة سيفر عام 1920 هي التي وزّعت الكرد في ما بين الدول الأربع، بعد أن وقّعت الدولة العثمانية عليها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقامت الدول المُنتصرِة بقيادة بريطانيا بتشتيت الشعب الكردي، والغاية هنا أن يظل التوتّر قائماً في حدود الدول، كما هو الشأن الاستعماري في كل مراحله، وهو ما حدث ويحدث، حتى اليوم.

الراحل عبد ناصر مستقبلاً الرئيس الراحل جلال طالباني وغيره من زعماء الحركة الكردية

 

شاركت يوم الأربعاء 14 نيسان/إبريل 2018 بكلمة حول المشكلة الكردية في المركز المصري للدراسات والبحوث الكردية في القاهرة الذي يرأسه المفكّر والكاتب الأستاذ رجائي فايد، وهو مُتخصّص في الشأن الكردي بصورة خاصة، ولقد انعقدت الندوة تحت عنوان "مستقبل كرد الشرق الأوسط"، وسط حضور شخصيات كردية عراقية وسورية، أهمهم الأستاذ الملا حسين والذي كان يشغل المُمثّل الرسمي للرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني في القاهرة، وشارك مثقّف كردي سوري من دولة ألمانيا هو الأستاذ نواف خليل، كما شارك المهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري، وقد اهتمّت الندوة بمستقبل الكرد كشعبٍ مظلوم، موزّع على أربع دول مختلفة، يريد حقّه في تحرير مصيره، وأنه شعب له تاريخه النضالي داخل الدولة الإسلامية الكبرى، ومستقبل الشعب الكردي كما رأى المشاركون مرتبط بما يدور في المنطقة من قلاقل، وبما يدور داخل البيت الكردي الكبير، وداخل كل منطقة كردية داخل كل دولة من الدول الأربع التي يعيش فيها الكرد، ورأى المشاركون من الجانب الكردي أنه لابد من أن يتفهّم المثقّفون العرب المشكلة الكردية بكل أبعادها، وضرورة التواصل مع المُثقّفين المصريين بصورة خاصة.

إن الدولة المصرية المُعاصِرة اهتمّت بالكرد منذ ما يقرب من قرن ونصف القرن، فقد تم تأسيس أول صحيفة كردية في القاهرة يوم  22 نيسان/إبريل من عام 1898م، وهي جريدة سياسية إسمها "كردستان"، وكان المؤسّس لها هو الأمير الكردي مقداد مدحت بدرخان الذي استفاد خلال إقامته في القاهرة من النهضة الفكرية المصرية، ومع امتداد الزمن ظلّ المصريون مهتمّين بالقضية الكردية، خاصة في فترة الرئيس جمال عبد الناصر، ففي عهده وفي عام 1957، تم إطلاق إذاعة ناطقة باللغة الكردية من القاهرة، وهو الأمر الذي أزعج الدولة التركية، ويُروى أن السفير التركي في القاهرة ذهب في الفجر إلى مقرّ الرئيس عبد الناصر لتسجيل احتجاج أنقرة على بثّ إذاعة كردية من مصر، فقال له الرئيس ناصر في هدوء "معلوماتي تفيد بأنه لا وجود للكرد في تركيا، كما تقولون، وإن هؤلاء الذين يوصَفون بأنهم كرد ما هم إلا أتراك جبليون لماذا إذن أنتم غاضبون من إذاعة كردية؟!، فسكت السفير وظلّت الإذاعة الكردية، كما استقبل الرئيس ناصر الزعيم الكردي مصطفى البرزاني والرئيس الراحل جلال طالباني وغيره من زعماء الحركة الكردية، والمعنى من كل ذلك أن المصريين يعرفون الحركة الكردية، ولكنهم لا يعرفون تفاصيل القضية التركية.

وفي المقابل قال بعض الحاضرين من الجانب المصري في ندوة المركز إن الكرد خلال السنوات القليلة الماضية لهم أخطاء فادِحة، مثل الدعوة للاستفتاء الفاشِل الذي دعا إليه الزعيم الكردي مسعود البرزاني، في أيلول/سبتمبر عام 2017، ولقد اعتمد وراهنَ البرزاني على تأييد الولايات المتحدة له، رغم أنه يعلم أن الأميركان لا أمان لهم، كما رفع بعض شباب الكرد العلم الإسرائيلي في أربيل والسليمانية، وهو ما أظهر للدول العربية والإسلامية الكرد كأنهم خونة للعروبة والإسلام، رغم أن الشعب الكردي شعب مُسلم مُتمسّك بدينه وتقاليده، ولكن الزعماء الكرد هم من أضرّوا بشعبهم.

ومن الضروري القول إن مأساة الشعب الكردي لم يصنعها العرب ولا الأتراك ولا الإيرانيون، فمأساة الكرد تُعتبر  صناعة استعمارية، فمعاهدة سيفر عام 1920 هي التي وزّعت الكرد في ما بين الدول الأربع، بعد أن وقّعت الدولة العثمانية عليها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى، وقامت الدول المُنتصرِة بقيادة بريطانيا بتشتيت الشعب الكردي، والغاية هنا أن يظل التوتّر قائماً في حدود الدول، كما هو الشأن الاستعماري في كل مراحله، وهو ما حدث ويحدث، حتى اليوم.

وهنا نربط بين الماضي والحاضر، فقادة الشعب الكردي في سوريا أخطأوا خطيئة كبرى، وذلك بعد ما قيل عنه ثورة سورية عام 2011، وثبت أنها مؤامرة كبرى شارك فيها كرد سوريا، والخطيئة هي دعوتهم إمّا لانفصال أو تأسيس فيدرالية سورية، وهذه المطالب جاءت عندما تكالبت دول العالم الاستعمارية على سوريا لتمزيقها، وكرّر زعماء الكرد في سوريا الأخطاء التاريخية، عندما تعاونوا مع الدولة الأميركية، وما يتبعه من تعاون غير مباشر مع العدو الصهيوني.

كان المفترض أن يتعاون الكرد مع القيادة الشرعية السورية لمحاربة الإرهاب والاستعمار، أما أن يتعاونوا مع الأميركان، ثم يقومون بتشويه الجيش العربي السوري، فهذا هو الخطأ الذي يراه المصريون جريمة، لأن مصر تعتبر سوريا الجزء الأهم في أمنها الوطني، ومن أكثر أسباب ثورة 30 يونيو|حزيران 2013 ضد جماعة الإخوان المسلمين، أن الرئيس الإخواني محمّد مرسي قطع العلاقات مع سوريا وطلب تدريب فصائل معارضة، وهو ما رفضه الجيش والشعب المصري، ويرى المُثقّفون المصريون أنه إذا كان الكرد يسعون بالفعل إلى الحُكم الذاتي في شكل نظام فيدرالي، فإن الحل المناسب هو التفاوض والاتفاق مع الحكومة المركزية والأطراف المتضرّرة في سوريا، ومع ذلك لن يكون هذا الحُكم الذاتي في صالح الكرد على المدى البعيد، لقد شوّه زعماء الكرد قضية الشعب الكردي.

نرى أن مستقبل الشعب الكردي يتحدّد بناء على توحّد الزعماء الكرد على واقعية سياسية لكل فصيل كردي داخل الدولة التي يعيش فيها، كما أن مستقبل الكرد مرتبط بما يحدث كما قلنا في المنطقة العربية من قلاقل وفتن ومؤامرات، ولابد من أن يتعامل معها القادة الكرد في توحّد مع قيادات الدول التي يرتبطون بها، ولا يكونوا مخالب قطط للدول الاستعمارية التي تريد تمزيق المنطقة بأسرها.

ولابد من ضرورة أن يتواصل المثقّفون المصريون والعرب مع أشقائهم من مُثقّفي الكرد، وتأسيس مثلاً جريدة مصرية لشرح القضية الكردية من منظورها الثقافي قبل السياسي، وضرورة توحيد الجهود الكردية ضد العدوان التركي الأردوغاني ضد كرد سوريا، خاصة أن كرد سوريا جزء لا يتجزّأ من الدولة السورية، مع العِلم أن أكثر الكرد عددا وأقلّهم حظاً وأكثرهم معاناة هم كرد تركيا، التي يضن عليها ساسة الأتراك حتى باسمهم، فهم لديهم إسمهم أتراك الجبل، أولئك الذين يعيشون في ديار بكر وغيرها..

هل تحدّد ندوة في القاهرة مستقبل شعب مثل الشعب الكردي؟، والإجابة طبعاً بلا، ولكنها محاولة للبحث عن المشترك الفكري والثقافي والديني مع شعب شقيق، هو الشعب الكردي...حفظ الله العرب حفظ الله الكرد وكل المسلمين.