"سيناء 2018"... معركة وأقاويل ونشيد
ربما يختلف الجميع في تحليلاتهم حول العملية العسكريّة "سيناء 2018"، ربّما يقوم المؤيّد للحكومة والنظام السياسي بتوظيف دماء الشهداء وبطولات الجنود والضبّاط لتوفير غطاء بطولي للقيادة السياسية وابتزاز الألسنة المُنتقدة للأداء السياسي والاقتصادي للدولة، ربما يقوم بعض المعارضين بتوصيف المعركة طبقاً لما يخدم طرحه السياسي، أو ربما يُبحر البعض قليلاً بعقله ليتساءل عن سبب تزامُن العملية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، في إشارة لتوظيف النظام نفسه للمعركة لخدمة شخص الرئيس.
"منسي بقى اسمه الأسطورة، من أسوان للمعمورة... وقالوا إيه؟ شبراوي وحسنين عِرسان، قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان... وقالوا إيه؟"
بتلك الكلمات البسيطة، بصيحات بدائية مبحوحة الصوت، بقلوب مُمتلئة بالامتنان والاعتزاز والفخر للشهداء أحمد المنسي وأحمد عُمر الشبراوي وأحمد محمّد محمود حسانين، بصدى صوت تهتزّ من حوله جبال أرض الفيروز اللامعة وأرضها المُخضّبة بدماء الشهداء أعلنت الكتيبة 103 صاعقة عن نفسها خلال العملية العسكرية (سيناء 2018) المستمرة منذ حوالي أسبوعين تحت شعار الثأر للشهداء وتطهير مصر من أقدام العناصر التكفيريّة.
ربّما لعبت الصدفة دورها في انتشار صيحات أبطال الكتيبة تحيّة لشهدائها الذين فارقوا الحياة في فجر السابع من يوليو/تموز عام 2017 كشعار للعملية العسكرية الجارية في مصر، وربما اختلفت الرؤى والتحليلات حول تلك العملية بل وتم توظيفها من أكثر من جانب لخدمة أهداف سياسيّة ضيّقة، ولكن ما حظي بالإجماع هنا هو صدق الأصوات التي بحّتها الصحراء ونحتتها كصخور الجبال في تلك الأنشودة، لتحصل مصر على حوالي دقيقة ونصف دقيقة -مدّة التسجيل الصوتي- من التوافق المرحلي بين كافة الأطرف.
بمجرّد الإعلان عن انطلاق العملية العسكرية "سيناء 2018" بدأت الطائرات في التحليق فوق الأهداف، المدفعية في دَكّ الأوكار، المُشاة في مُداهمة مناطق التمركز والجهات المُتناحِرة على الساحة السياسية في محاولة قولبة الحدث حول ما تقدّمه كل جهة من وجهة نظر. فقد صاح الإعلامي الشهير "أحمد موسى" بصيحات التأييد المُطلق للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مُختصراً في شخصه كُل شيء، وصاحت بعض الأصوات المعارضة بمُعاناة أهل سيناء مع السلع الغذائية، وأخرى بأن تلك العملية العسكرية ليست سوى دعاية انتخابية للرئيس، ووسائل إعلام تدّعي استهداف المدنيين... إلى آخر القائمة التي تتّسع لكافة ألوان الطيف، ولكن بمرور الأيام بدأت أكثر الفئات المعارِضة في إعادة النظر في المشهد وتقييمه حتى رأينا الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح -المسجون حالياً- زعيم حزب مصر القويّة في تغريدته على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" يعلن تأييده وارتياحه لرضا أهالي سيناء عن الحملة العسكرية الجارية، وذلك قبل يوم واحد من إلقاء القبض عليه.
نرى هنا أن السبب الأكبر لحال التضارب والتوظيف السياسي للعمليّة العسكرية هو ندرة المعلومات وقلّة مصادرها، وحتى وسائل الإعلام الرسمية تقدّم المعلومات القليلة المُتاحة بنبرة مُقتضبة بالتأكيد حرصاً على سريّة بعض التفاصيل، ولكن حتى إعلان حجم خسائر الخصم كعنصر معنوي هام ومحوري ربما لم يتمكّن الإعلام المصري من توظيفه كما يجب، في حين اهتم البعض بالإشارة إلى تزامُن فتح معبر رفح مع تجدّد المواجهة وهو طرح متكرّر من نفس الفئات مع كل عملية إرهابية أو حملة عسكرية في شمال سيناء.
وبالرغم من أن المتحدّث الرسمي للقوات المسلّحة المصريّة اعتاد أن يستهلّ الحديث عن النشاط المدني في شمال سيناء بالحديث عن حال المعبر وحركة الذهاب والإياب من خلاله، والتطرّق كل مرة إلى التأكيد على عدم وجود أيّة علاقة بين فتح المعبر والعمليات الإرهابية، إلا أن تكرار الفكرة المذكورة لا يتوقّف. كما أنه مؤخراً وبعد الإعلان الواضح عن المصالحة بين حكومة غزّة والدولة المصريّة بل والتنسيق الأمني بين الطرفين، ربما هناك أطراف داخلية غير راضية عن تلك الخطوة.
وبالحديث عن ندرة المعلومات عن العملية العسكرية "سيناء 2018"، وجب توضيح أن العملية لا تشمل فقط شمال ووسط سيناء، ولكنها تمتد إلى الظهير الصحراوي غرب نهر النيل امتداداً إلى الحدود المصرية الليبيّة بطول القُطر المصريّ من ساحل البحر المتوسّط شمالاً وحتى العوينات في الجنوب الغربيّ، بالإضافة إلى تأمين المجرى الملاحي لقناة السويس بشكل استثنائي وإجراءات مشدّدة على المعابر البرية والبحرية المؤدّية إلى شبه جزيرة سيناء والطُرق الواصِلة بين سيناء والقاهرة الكبرى. كما تتزامن العملية مع المناورة البحريّة المصرية - الفرنسية "كليوباترا 2018" بطول ساحل البحر الأحمر والتي تشارك فيها حاملة الطائرات "ميسترال"، كما تمتد التدريبات البحرية لساحل البحر المتوسّط بسيناريو تأمين حقول الغاز والمناطق النفطيّة، وذلك بالتزامن مع التحرّشات التركيّة بجهود قبرص للتنقيب عن الغاز في البحر المتوسّط.
بالتدقيق في المعلومات -الدقيقة- الواردة من المصادر القليلة المُتاحة في سيناء يتأكّد للمهتم عدم وجود أي سبب منطقي لتجاهل الإعلام الرسمي لها، حيث – طبقاً للمصادر المُتاحة – لم يتعدّ تقدير عدد الشهداء من جنود وضباط القوات المسلّحة سبعة شهداء خلال مداهمة أوكار الجماعات في شمال سيناء، إلى خسائر ليست بقليلة على الجانب الآخر يمكن تلخيصها كالآتي:
نجاح القوات الجوّية في تدمير 158 نقطة مُستهدفة بين نقاط تمركز ومعسكرات للعناصر التكفيريّة، بالإضافة إلى 418 نقطة تمّ تدميرها بالكامل بقصف المدفعيّة، وخلال المواجهات سقط 71 قتيلاً من العناصر التكفيريّة وتم القبض على خمسة أفراد أحياء منهم.
إلقاء القبض على 1852 بين مطلوبين في قضايا جنائية ومتعاونين مع الجماعات وآخرين مُشتبه بهم وقد تم الإفراج عمّن لم يثبت تورّطه في أيّ تعاون مع تلك الجماعات.
نجاح المدفعيّة والمُشاة والمظلاّت في تدمير 1282 نقطة مستهدفة بين مخازن أسلحة ومخابئ للجماعات المسلّحة، بالإضافة إلى العثور على وتدمير مركزي اتصال لبثّ الإشارات اللاسلكية مع عناصر في الخارج، ومركزين إعلاميين لإنتاج المواد المصورّة والبيانات الصوتية للجماعات، كما تم العثور على وتفكيك عدد 393 عبوّة ناسفة وإعدام كميات كبيرة من مواد "سي فور" و"تي إن تي" المُتفجّرة.
وقد تم تدمير حوالى 395 مركَبَة بين دفع رُباعي وسيارات عادية ودراجات بخارية.
ربما يختلف الجميع في تحليلاتهم حول العملية العسكريّة "سيناء 2018"، ربّما يقوم المؤيّد للحكومة والنظام السياسي بتوظيف دماء الشهداء وبطولات الجنود والضبّاط لتوفير غطاء بطولي للقيادة السياسية وابتزاز الألسنة المُنتقدة للأداء السياسي والاقتصادي للدولة، ربما يقوم بعض المعارضين بتوصيف المعركة طبقاً لما يخدم طرحه السياسي، أو ربما يُبحر البعض قليلاً بعقله ليتساءل عن سبب تزامُن العملية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، في إشارة لتوظيف النظام نفسه للمعركة لخدمة شخص الرئيس، ربما الغالبية العظمى من الشعب المصري تدعو بقلب صادق لنصرة أبنائهم في معركة الوطن الوجودية ضد التنظيمات التكفيريّة المُسلحة وسط الشُحّ المعلوماتي والقلق البالغ على لقمة العيش وعلبة الدواء... إلا أن هناك مَن يتمسّك بدقيقة ونصف دقيقة من الصيحات المبحوحة لرجال يقفون بين الجبال ينشدون بأسماء ضحّت في الماضي القريب، أنشودة لمستقبل أكثر رحابة يتّسع لأحلام الجميع وآمالهم المُستحقّة.