أميركا... أو الوجه القبيح لحقوق الإنسان
من حق الولايات المتحدة الأميركية أو أية دولة أخرى أن تدافع عن حقوق الإنسان كظاهرة إنسانية يشترك فيها الجميع، ولكن أن تتّخذها مطيّة لضرب الدول أو تؤخَذ كظاهرة استعمارية إرهابية تخدم مصالح خاصة وتدمّر باسمها أوطاناً بكاملها أمر فيه أكثر من إهانة مُبتذَلة لحقوق الإنسان، بعد أن حوّلتها إلى حقوق للخراب والدمار، إن منطق حقوق الإنسان يقتضي إن لكل سكان الأرض أياً كان لونهم وقوّتهم الحق في المطالبة بمحاكمة مُجرمي الحروب تحت يافطاتها.
حين يقول مكماستر "ومن ثم حان الوقت الآن في اعتقادي للتصرّف ضد إيران". فإنه بالتأكيد لا يُدرك التاريخ السياسي لإيران ولا يفقه في السياسة غير الخلط بينها وبالقوّة العسكرية الفاشلة إن في العراق أو في أفغانستان، وإن كنت أشك في أنه على دراية بمحور المقاومة وما يمثله هذا المحور في المواجهة العسكرية إن حصلت، ربما مازال يؤمن مثل مَن سبقوه لمنصبه أن العالم لازال وحيد القرن أي أحادي القطب.
وحين يؤكّد السيّد حسن نصر الله "إذا أتى الأميركي يقول لكم إنّ عليكم أن تسمعوا لي لأردّ إسرائيل. قولوا له عليك أن تقبل بمطالبنا لنردّ حزب الله عن إسرائيل"... فهذا يعني أن أميركا ومعها إسرائيل لم تعودا جزءاً من اللعبة السياسية في لبنان ومحور المقاومة ككل، وبالتأكيد ليست هناك مُهادنة للصراع بين أميركا ومحور المقاومة قائمة على منطق لنا القوّة وأنتم العبيد.. هذا المنطق بمنظور محور المقاومة انتهى عصره ولا مجال حتى للادّعاء بحقوق الإنسان والتي مارستها أميركا كحقوق للهيمنة والاستعمار.
من حق الولايات المتحدة الأميركية أو أية دولة أخرى أن تدافع عن حقوق الإنسان كظاهرة إنسانية يشترك فيها الجميع، ولكن أن تتّخذها مطيّة لضرب الدول أو تؤخَذ كظاهرة استعمارية إرهابية تخدم مصالح خاصة وتدمّر باسمها أوطاناً بكاملها أمر فيه أكثر من إهانة مُبتذَلة لحقوق الإنسان، بعد أن حوّلتها إلى حقوق للخراب والدمار، إن منطق حقوق الإنسان يقتضي إن لكل سكان الأرض أياً كان لونهم وقوّتهم الحق في المطالبة بمحاكمة مُجرمي الحروب تحت يافطاتها.
حروب إبادة جماعية أو حروب استعمارية بالقصاص أو بالوكالة.. لكن المشكلة في الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً هي في المشاكل الاقتصادية والمالية التي يرون إن لا تتم معالجتها إلا على حساب الدول الضعيفة، إن بتخريبها أولاً تم إعادة إعمارها بواسطة مؤسّساتها المُفلسة أو بالهيمنة عليها اقتصادياً وسياسياً..
هذه الظاهرة هي بالتأكيد ظاهرة استعمارية تُسحَق فيها جميع القِيَم بما في ذلك قِيَم حقوق الإنسان التي يتبنّاها الغرب نفاقاً كمبدأ استعجالي للتدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وبالتالي، هل الغرب بريء من انتهاكات حقوق الإنسان؟ وهل هو قادر على التأقلم مع هذه الحقوق بعيداً عن الأرمادة العسكرية المُسخّرة للخراب والدمار خارج أوطانه، بالتأكيد، هناك تجاوزات تجاوزت حقوق الإنسان فيه، إلى نقيضها بل وفي مُصطلحها أضاع ما يتغنّى به الغرب من حُكم ديمقراطي ومن مبادئ الحرية...
كم قتل في العراق وفي أفغانستان وليبيا وغيرها من البلدان؟ وكم دمّر من المباني والمخازن والمصانع في العديد من الدول؟ فهل مبادئ حقوق الإنسان تؤمّن للغرب ذلك -أي القتل والتدمير والإبادة؟ وهل الديمقراطية فيه تشترط ذلك؟ مزاعم كثيرة تلفّ هذا الخراب المُمارَس على مدى التاريخ من حروب الرومان إلى حروب "جورج بوش" فحرب "المعتوه ساركوزي" ثم حروب الأعراب ضد اليمن ومن لحق بهم من "الدواعش".
إنه وطبقاً لمبدأ حقوق الإنسان التي تتبجّح به أوروبا والولايات المتحدة الأميركية فمن حق كل دولة وقعت تحت طوفان الاستعمار أن تطالب بالتعويض والاعتذار كأقل تقدير، ومن ضمن هذه الدول الجزائر التي أبيد من شعبها الملايين خلال الحقبة الاستعمارية، وحتى التجارب النووية أقيمت على شعبها وأراضيها، يبدو أن فرنسا أيضاً بالطغيان المُتمَركز في ضمير حكّامها ما زالت ترفض الاعتراف بما قامت به من إبادات جماعية ضد الشعب الجزائري، وجعلت منه ترفاً سياسياً لحضارتها الهمجية، وأخطر من هذا فإن "ساركوزي" وهو رئيس تباهى بالجريمة وقال "إن فرنسا أعادت دورها العسكري في البحر الأبيض المتوسّط وشمال إفريقيا"، وهذا بعد أن قتل أكثر من خمسين إلفاً من الشعب الليبي وقام بتدمير شبه شامل للبنى التحتية في ليبيا.
حين يفتخر رئيس دولة بالإجرام بإعادة الجوق الاستعماري لدولته، فإن مبدأ حقوق الإنسان لا يختفي فقط في الخطاب السياسي بل يتوارى من الخارطة السياسية والتاريخية، وتعوّضه آلياً الحروب الشاملة ليصبح العالم على فوهة بركان، فالولايات المتحدة الأميركية رمز الدولة الكونية المُفترَض والمؤهّلة حسب خبرائها الاستراتيجيين إلى قيادة العالم تبدو غير ذلك، إنها ووفقاً لتصريحات مسؤوليها فهي في تخلّف سياسي يبدو شبيهاً بتخلّف دولة لا تعرف إلا الفوضى ولا تقرّ سياسياً بالتخلّف الجذري فيها.
منذ مجيء المجنون ترامب والفوضى السياسية تلاحق الإدارة الأميركية حتى خُيّل لمراكز الأبحاث والدراسات فيها أنها دولة بلا أهداف استراتيجية، ففي كل يوم تقريباً تُعلن الناطقة باسم الخارجية الأميركية والبيت الأبيض أو وزارة الخزانة إن الولايات المتحدة الأميركية قرّرت وضع إطارات سامية سورية، أو روسية، أو فلسطينية أو فنزولية، أو صينية.
على لائحة المُقاطعة أو اللائحة السوداء! وحين سُئِلَت ذات مرة لماذا وضِعَ وليد المعلّم على اللائحة أجابت لأن بشّار الأسد قال "سوريا تتعرّض لمؤامرة خارجية"، وحين سُئِلت ثانية لماذا وضعت بثينة شعبان الناطقة باسم الرئاسة السورية أجابت "لأنها ناطقة باسم سوريا" وحين سُئِلت لماذا وضِعَ سفير سوريا في لبنان على اللائحة أجابت "لأنه يجمع المعلومات لسوريا"، وهذه الإجابات لا يوجد في القاموس السياسي أسوأ منها، بل إنها تدلّ على أن الغباء الأعمى والممارسات للوَهم بجنون في السياسة الأميركية هي السمة البارزة اليوم.
وهنا يمكن التصديق بلا تفكير أو تحليل مُسبَقين ما قاله "نعوم تشو مسكي" الأميركي "إن الولايات المتحدة الأميركية في طريق الانهيار" والمنطق يقول ذلك لأن الدولة التي تتصرّف بهذا المستوى الانحداري وغير الواعي لا يمكنها التحدّث عن حقوق الإنسان ولا الإصغاء إليها، والأسوأ من هذه إن إدارة "دولاند ترامب" تتباهي بالكذب علناً بأنها الدولة التي نفّذت أكبر طلعات جوّية قاتِلة في بلدان عدّة، وأنها الدولة التي قضت على "داعش"! وهي الدولة التي تجنّده الآن من جديد بعد أن أوجدته للعلَن المخابرات الأميركية وجنّدته قبلها هيلاري كلينتون لتحقيق ما عُرِف بـ "الشرق الأوسط الجديد" أي الشرق المُهيمَن عليه إسرائيلياً!