لماذا حذر السيد نصر الله المقاومة الفلسطينية من المرحلة المقبلة؟
في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.
يُنقل عن دبلوماسي أميركي "عريق" معروف بقربه من إسرائيل قوله إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "سعيد برؤية بنيامين نتنياهو و محمد بن سلمان يتوليان القيادة" وملء الفراغ الذي خلّفه الإنسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، وتحديدًا من سوريا. هكذا يردّ الدبلوماسي الأميركي على التحليلات القائلة بأن الرياض وتل أبيب يسعيان لإعادة النفوذ الأميركي إلى المنطقة.
تطرق أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته التلفزيونية قبل الأخيرة في 10/11/2017 إلى قاعدة تحكم المشهد الإقليمي: "إسرائيل لا تعمل عند السعودية بل عند الولايات المتحدة وعند مصالحها وإسرائيل لن تذهب إلى حرب مع لبنان إلا إذا كانت سريعة".
قبل حرب تموز 2006، كان التقدير السائد أن إسرائيل تحكمها عوامل أخف قيداً عند دراسة قرار الحرب. بعد حرب تموز/ يوليو، بات التقدير أنّ إسرائيل لا تذهب إلى حرب من دون ضوء أخضر أميركي بالكامل.
ما القواعد الحاكمة الآن؟ هل بمقدور السعودية إقناع اسرائيل بشنّ حرب في المنطقة وإلى أي مدى بمقدور دول وجهات عربية لا تسير في الفلك السعودي أن تشكلّ عنصر توازن في وجه محاولات "مذهبة" الصراع؟
تُجمع التقديرات العسكرية الإسرائيلية، والأميركية، على إكتساب حزب الله لخبرات نوعية نتيجة الحرب في سوريا. لكن بُعدًا أخراً يتم إدراجه في حسابات الحرب: الإستنزاف. تعتقد العديد من الدراسات المرموقة، البعيدة عن العناوين الإعلامية البرّاقة، أنّ حزب الله قد وجد نفسه يقاتل "مسلمين" مثله في سوريا. ترتبط هذه الفكرة من منظور إسرائيلي بما تعتبره تل أبيب فرصةً لإضفاء طابع مذهبي على الصراع بالإستناد إلى آلة إعلامية محترفة تدفع بهذا الإتجاه. في الإتجاه نفسه، يكاد مصطلح "الدول السنية المعتدلة" لا يغيب عن أدبيات القادة والإعلام الإسرائيليين منذ حرب تموز 2006.
في مرحلة ما، كان المحور المقابل يعاني من غياب شريك فاعل في الساحة الإسلامية "السنية" يدحض التفاهم معه مذهبية الصراع في المنطقة. وبالرغم من محاولة إيران الرهان على حركة "الإخوان المسلمين" في مصر تحديدًا إبّان حكم محمد مرسي، إلا أنّ تجربة الإخوان في علاقاتها الخارجية عكست غياب الرؤية لديها داخليًا، ولم تُحسن إلتقاط الفرصة.
وبعد أن بدأت إرهاصات الإتفاق النووي مع إيران تلوح في الأفق، ضغطت إسرائيل أكثر باتجاه تقديم العالم العربي على أنه خاسرٌ من الإتفاق، مع أنّ مضمونه يعكس بوضوح إشارات للسلام الدولي والإقليمي ورغبةً إيرانية في فكّ الحصار. يمكن تحميل إيران وحلفائها مسؤولية محددة في هذه المسألة لناحية طريقة تقديم الإتفاق النووي للمحيط العربي إعلاميًا وسياسيًا، ما ساهم عن غير قصد في تعزيز "بروباغندا" الدول والجهات التي وجدت نفسها خاسرة منه؛ وفي مقدمها السعودية وإسرائيل.
لم تكن المفاوضات حول النووي الإيراني قد وصلت إلى مرحلة الإتفاق، حين بدأ اللبنانيون يتهامسون في الصالونات السياسية أنباءَ عن مداورة في موقع الرئاسات الثلاث، فضلًا عن إتفاق لتحويل حزب الله إلى ما يشبه "الحرس الثوري" للجمهورية اللبنانية. لم تكن هذه الأنباء بريئة، بل كانت إحدى خطوات التأجيج المذهبي والطائفي في لبنان، نظرًا لحساسية أي حديث يدور حول تغيير في شكل النظام المعتمد منذ عشرات السنين. بالتوازي، كان وزير الخارجية السعودي "عادل الجبير" يتنقل بين العواصم، ومن بينها بغداد، ناقلًا "تمنيات" بحصول حرب أميركية – إسرائيلية على إيران و حزب الله، مع أن السياق الأميركي وقتها كان قد بدأ بإعادة التموضع في الشرق الأوسط مع إقتراب نهاية ولاية باراك أوباما، وتصاعد الحديث في أروقة واشنطن حول الحاجة لنقل الإهتمام إلى الشرق الأدنى.
ناهيك عن أنّ المصلحة الفعلية الأميركية والإسرائيلية كانت حتى تلك اللحظة في الإستمرار في "إشغال" حزب والله وإيران في سوريا. فما الحاجة للذهاب إلى حرب إقليمية ما دامت سوريا "تستنزف" أعداء إسرائيل، بحسب تقديراتها؟
أما وقد انتهت ورقة "داعش" العسكرية، وباتت "النصرة" محاصرةً في جيب جغرافي سهل التعامل معه نسبيًا، فإنّ "الإستنزاف" الذي كانت تحسبه إسرائيل ورقة رابحة قد إنتفى، وهناك حاجة لتثبيت اركان نظرية "الدول السنية المعتدلة" التي تنادي بها تل أبيب منذ أكثر من عقد من الزمن.
في هذه اللحظة، إرتكبت السعودية خطأ استراتيجيًا لا يمكن فهمه سوى بأنه نتيجة إنفعال وتسرّع "الحاكمون الجدد" في المملكة، من خلال إستعداء قطر وشرخ التحالف الخليجي الهش.
هذا الإستعداء أثار بطبيعة الحال شهية الإدارة الأميركية للمال عملًا بسياسة الإبتزاز الرسمية التي نجح دونالد ترامب في جعلها منهجًا لسياسة واشنطن الخارجية، في ظلّ صمت إسرائيلي حيال الأزمة تخرقه بين الحين والأخر تحذيرات من تطور الخلاف العربي – العربي !
عند هذه النقطة، تبحث الرياض وتل ابيب مرة جديدة عن التقاء المصالح. ليس من مصلحة السعودية وجود أصوات عربية معارضة لتزعمها وقيادتها العالم العربي. وليس من مصلحة إسرائيل وجود "دول سنية غير معتدلة". لذا، ستجد المقاومة الفلسطينية نفسها محاصرة وسط هاتين المصلحتين، وليس مستبعدًا أن تقع إسرئيل في حسابات خاطئة عند جبهتها الجنوبية نتيجة إلتقاء المصالح مع السعودية. لهذا حذر أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير المقاومة الفلسطينية من مخاطر المرحلة المقبلة، ولهذا أيضاً أشار بوضوح إلى عمل الحزب على نقل السلاح النوعي إلى فلسطين المحتلة.