هيّا بنا نلعب
يبدو أن الحملة اعتمدت على المُخبر الإرهابي الذي تم تجنيده كما اعتادوا الاعتماد على المرشدين، لكن المُخبر قام بتسليم الحملة للجماعة الإرهابية التي حاصرت الحملة الأمنية وقتلت الضباط، وأحدثت إصابات بالغة في العساكر، في سلوك جانكيز خاني، أرسلتهم ليعودوا إلينا ويحكوا لنا أهوال وفظائع الإرهابيين وتوحّشهم، فيلقوا في قلوبنا الرعب، ثم قاموا بأسْر أحد الضباط وهو محمّد الحايس.
الأحداث في مصر والعالم العربي تتلاحق بشكل لا يصدّقه عقل، وكأن الساعة قد اقتربت، وكأن هناك موعداً لتسليم الخراب قد حان. حادث إرهابي موجِع في الواحات، تعقبه حوادث إرهابية عديدة في سيناء، ثم فوجئنا بمحمّد بن سلمان قد استيقظ ذات يوم لينثر شِعره ويأكل أصحابه، ويبدو أن الطبيب قد بدّل له نوع العقار الذي كان يتناوله، ويبدو أن الآثار الجانبية للعقار ستنعكس بشدّة على العالم أجمع، ونحن نرجو من الطبيب، بل ونتوسّل إليه، أن يراجع نفسه في صرف هذا العقار لجلالته.
نبدأ من مصر، حيث حادث الواحات الإرهابي الذي تأخّرنا بعض الشيء في الحديث عنه حتى تضّح الصورة.
يبدو من تجميع الأحداث أن وزير الداخلية المصري قرّر أن يثبت تفوّقه وأهليته للثقة، فتفتقّ ذهنه عن إرسال حملة للواحات، قوامها عناصر الداخلية، من دون تنسيق مع القوات المسلّحة أو أيّ جهاز سيادي أو استخباراتي. تعامل السيّد وزير الداخلية المصري مع مواجهة الإرهابيين بنفس العقلية الأمنية التي يواجه بها تجار المخدّرات أو يهجم بها على بيوت الدعارة: تجنيد مُخبر، تدشين حملة، الهجوم المُفاجئ على الموقع الذي دلّهم عليه المُخبر، ارفع يديك إلى أعلى، طلق نار في الهواء... قبضنا على الإرهابيين يا فندم... برافوو. تصفيق حاد.
لكن الأمر لم يأت كما يشتهي وزير الداخلية. المكان في صحراء الواحات، لم تقم الداخلية بإرسال فرقة استطلاع أو طائرة من دون طيار لدراسة الموقع، كما أن العنصر الذي ينتمي إلى جماعة إرهابية ويتم تجنيده، يختلف تماماً عن المُرشد الذي يتم تجنيده للإيقاع بتجار المخدّرات أو شبكات الدعارة. العنصر المنتمي إلى الجماعة الإرهابية لديه ولاء وعقيدة وإيمان لا يتوفرون للعناصر التي تعمل مع تجار المخدّرات ومديري شبكات الدعارة، وتجنيده يتطلّب تعذيباً مضاعفاً، وتهديدات أكبر، كما أنه إرهابي. إرهابي يا جماعة، إرهابي.. يعني شغلته يخوّف الناس، مش أنت اللذي تخوّفه.
الإرهابي لا يخاف من السجن، ولا يخشى القتل، ولا يمكن إغراؤه بالمال أو بحياة أفضل في ظل تبعيته لحضرة الضابط، هذا شخص مؤمن، بصرف النظر عن فحوى إيمانه، لكنه مؤمن، ومستعد للموت والقتل وتحمّل الآلام في مقابل ما يؤمن به، كما أنه يتوق للانتقام ممن يراهم أعداءه.
الخلاصة، يبدو أن الحملة اعتمدت على المُخبر الإرهابي الذي تم تجنيده كما اعتادوا الاعتماد على المرشدين، لكن المُخبر قام بتسليم الحملة للجماعة الإرهابية التي حاصرت الحملة الأمنية وقتلت الضباط، وأحدثت إصابات بالغة في العساكر، في سلوك جانكيز خاني، أرسلتهم ليعودوا إلينا ويحكوا لنا أهوال وفظائع الإرهابيين وتوحّشهم، فيلقوا في قلوبنا الرعب، ثم قاموا بأسْر أحد الضباط وهو محمّد الحايس.
ربما أسْر الضابط كان هو الخطأ الذي ارتكبه الإرهابيون.
حين تم حصار الحملة الأمنية قام بعض عناصر الحملة بالاتصال بالجيش ليرسل إليهم طائرة لإنقاذهم، يبدو من التسجيلات المُسرّبة أن القوات المسلحة قد تفاجأت بذهاب الحملة، حيث كان الضابط طرف القوات المسلّحة يسأل الضابط المُستغيث: يعني أنتم فين؟ مين اللي حاصركم؟ طيّب معاك ذخيرة تضرب بيها نار عشان تعرف الطيارة مكانكم؟
- يا باشا خدوا منا السلاح وكل حاجة واحنا تحت الجبل
- جبل إيه؟ قل لي مكانك بالضبط..
ما هذا الحزن؟ كيف تخرج حملة كهذه لمواجهة عصابة إرهابية بقيادة واحد من أخطر عناصر الإرهاب في مصر، ألا وهو هشام عاشور، من دون حتى إخطار القوات المسلحة بمكانهم؟
في تسجيل لأحد الأطباء الضباط قال بأن العساكر أخبروه بأن الطائرة تأخّرت وأنها ظلّت تدور في المكان وتهبط ثم ترتفع خوفاً من الصواريخ! وأنا حقيقة لا أعلم لماذا يُلام قبطان الطائرة أو من أرسله على ذلك؟ إذا كانت الداخلية قد أرسلت قوات من دون استطلاع، فهل كان المطلوب من القوات المسلحة أن ترسل طائرة من دون استطلاع كي يزيد عدد الضحايا؟
على أية حال، فالضباط وعناصر الأمن الذين كانوا ضحية هذا التخطيط المُهترئ ليس لهم ذنب، بل إنهم لا يملكون الاعتراض على الأوامر، ولا يملكون مراجعة قياداتهم التي جلست في مكاتبها تنتظر من القوات المسلحة إنقاذ عناصر ألقوا بها في صحراء غير معلومة، ومواجهة غير مدروسة.
قامت الطائرة أخيراً بإنقاذ من تبقّى على قيد الحياة، وهما ضابطان معمها جثة زميلهما، وتمكّنت من نقل العساكر المصابين. وظلّ مصير محمّد الحايس مجهولاً، بعد عدّة أيام تمكّنت القوات المسلحة من إنقاذ محمّد الحايس.
عقب هذه العملية الرهيبة، لم تتم إقالة وزير الداخلية، وإنما تم وقف الطبيب الضابط الذي تحدّث في تسجيل صوتي ليروي ما حدث، بالطبع لم يتم تكذيب الطبيب، لكنه تم إسكاته. وكأن أرواح زهرة شباب مصر لعبة يتسلّى بها بعض الأجهزة لتثبت كفاءتها، وحين تفشل، لا يتم تحميلها المسؤولية، وإنما يُعاقَب من يعترض على إدارتها للأمور.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.