الأميركيون في سوريا: تراجع أو تثبيت انتصار؟
يظهر التراجع الأميركي في سوريا يوماً بعد يوم، وسط تطورات ميدانية تثبت الجيش السوري وحلفاؤه في مواقعه وتزيد من مكاسبهم.
يشير البيان المشترك حول سوريا الذي أعلنه الرئيسان ترامب وبوتين على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي "إبيك" في فيتنام، إلى اقتناع دولي بأن الخيار العسكري لم يعد يجدي في سوريا، وأن الحلّ السياسي هو الأنسب لسوريا وللمنطقة.
وكانت لافتة العبارة التي تضمنها البيان والتي أشارت إلى أن "الأطراف أخذوا علماً بالالتزام الحديث للرئيس الأسد بإجراء الإصلاحات الدستورية وإقامة الانتخابات..."، وهذه العبارة إن دلّت على شيء فهي تدل على اعتراف أميركي وواضح بشرعية الرئيس السوري، والتعويل الدولي عليه للقيام بمسار الإصلاحات الدستورية وإجراء الانتخابات، وهو يدحض كل ما قاله وزير الخارجية الأميركي تيلرسون منذ مدة وجيزة إن الأميركيين لا يرون مستقبلاً للرئيس السوري بشّار الأسد في مستقبل سوريا وإنه سيضطر إلى التخلّي عن منصبه في إطار عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.
بالتأكيد، إن الانتصارات العسكرية التي حقّقها الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان السوري هي التي فرضت نوعاً من التراجع الأميركي المُتدرّج حول رؤيتهم لمستقبل سوريا والآليات التي ستحكم هذا المستقبل، ولكن عوامل القلق من المستقبل لا تزال تحوم فوق سوريا، خاصة في ظلّ الإنجازات التي حقّقها الأميركيون من خلال حلفائهم في سوريا.
وتتجلّى عوامل القلق من الاستراتيجية الأميركية على مستقبل سوريا، مما يظهر في الميدان السوري من سباق محموم للقوات المدعومة أميركياً لاقتطاع أراضٍ قبل وصول القوات السورية إليها، فقد قامت "قوات سوريا الديمقراطية" بالسيطرة على جغرافية سورية شاسعة، ورتّب الأميركيون انسحاب داعش لصالح تلك القوات في حقل عمر النفطي ما سمح للمقاتلين الأكراد بالسيطرة عليه والتوجّه نحو دير الزور والسيطرة على أكبر مساحة جغرافية ممكنة قبل وصول النظام إليها لتحريرها.
وفي الطريق إلى البوكمال، حاول الأميركيون استباق وصول الجيش السوري وحلفائه إلى المعبر الاستراتيجي الذي يربط العراق بسوريا، إلا أنهم لم يستطيعوا تجنيد مقاتلين من المعارضة المسلحة أو العشائر للقيام بهذه المهمة، وإلا لكانوا أقاموا الترتيبات اللازمة لمقايضة تلك الجغرافيا بين داعش والعشائر السورية.
وقد يكون ما تقوم به حركة "نور الدين الزنكي" المدعومة أميركياً من قتال مع "هيئة تحرير الشام - النصرة سابقاً" في ريف حلب الغربي، هو استباق للمعركة التي سيقوم بها الجيش السوري ضد جبهة النصرة بعد الانتهاء من داعش على الحدود السورية العراقية والتفرغ لقتالها.
ما سبق، يشير إلى رغبة أميركية واضحة بإبقاء السيطرة على مناطق سورية، وتثبيتها بوجود 11 أو 12 قاعدة عسكرية أميركية ( تتضارب التقارير حول عددها)، وهو ما أشار إليه بعض المسؤولين العسكريين الذين قالوا إن الأميركيين لا يمتلكون استراتيجية للخروج من سوريا بعد الانتهاء من داعش.
والمشكلة التي ستبرز في المستقبل حول مستقبل هذه المناطق هي الموقف الروسي، خاصة في ظل توجّه الروس في مسارهم الدولي الحديث بعد أوكرانيا، لتشجيع اللامركزيات وإعطاء هامش من الحرية الموسّعة للأقليات في الدول السيّدة.
وفي هذا الإطار بالذات، نجد أن الموقف الروسي من الاستفتاء الكردي في العراق بقي غامضاً، وقد يُفهم موقفهم هذا بالرغبة بعدم إعطاء فرصة لاتهامهم بازدواجية المعايير كون إية إدانة أو رفض للاستفتاء الكردي باعتباره عملاً غير قانوني، سيضعف موقفهم من قضية ضمّ القرم حيث يتذرّع الروس بأن الاستفتاء الذي أجريَ هناك وضمّ القرم إلى روسيا الاتحادية هو قانوني وشرعي، مستندين بذلك إلى السابقة التي أرساها الأوروبيون في كوسوفو، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول استفتاء كوسوفو، والذي اعتبرت فيه المحكمة أن الاستفتاء لا يخلّ بمبادئ القانون الدولي.
وبالرغم من أن الوضع الكردي في سوريا يبقى مختلفاً عن وضع أكراد العراق، ولكن التسريبات التي تحدّثت عن تفاهمات أميركية روسية غير معلنة حول تقاسم مناطق النفوذ حول الفرات، تؤكّد أنه ما زال أمام السوريين مسار طويل من المعارك لاستعادة كامل التراب السوري، وقد تكون المعارك في إدلب والجنوب السوري سهلة نسبياً مقارنة بتحرير مناطق الشرق والشمال السوري من سيطرة الأميركيين الذين لن يتخلّوا بسهولة عما كسبوه من الجغرافيا السورية.