حماس وسياسة الأبواب المفتوحة
الراصد لتطورات الأوضاع مع كل من مصر والأردن يجد أن الامتعاض الإسرائيلي من خشية عودة الوحدة الفلسطينية لا يقف عند حدود المؤسستين السياسية والأمنية فيها. وإنما يصل الى دوائر الأبحاث ووسائل الاعلام التي نشرت واذاعت أكثر من مرّة ما قالت إنها معلومات مؤكدة عن خطة مصرية مبيّتة لتقويض حركة حماس في الداخل عبر مسار طويل من بوابة الدخول الى القطاع من خلال رعاية المصالحة الفلسطينية.
ما من شك أن أيّ محبّ للمقاومة الفلسطينية وقضيتها عموماً يتنفس الصعداء حين يعلم أن مستوى السخونة والتوتر بين حركة حماس ومحيطها العربي بدأ بالانخفاض رويدا رويدا لا سيما مع مصر التي رعت المصالحة الفلسطينية وتتجه نحو تخفيف المعاناة عن قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007. ثم الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية بالعاهل الأردني الملك عبد الله ما اعتبر فاتحة خير في العلاقة الأردنية مع حماس التي لطالما كانت متوترة منذ خروج قيادة الحركة من الأردن الى سوريا خلال التسعينيات.
الراصد لتطورات الأوضاع مع كل من مصر والأردن يجد أن الامتعاض الإسرائيلي من خشية عودة الوحدة الفلسطينية لا يقف عند حدود المؤسستين السياسية والأمنية فيها. وإنما يصل الى دوائر الأبحاث ووسائل الاعلام التي نشرت واذاعت أكثر من مرّة ما قالت إنها معلومات مؤكدة عن خطة مصرية مبيّتة لتقويض حركة حماس في الداخل عبر مسار طويل من بوابة الدخول الى القطاع من خلال رعاية المصالحة الفلسطينية.
في حين تحدثت أخرى عن استياء وغضب أردني ترجمه اتصال العاهل الأردني بالرئيس محمود عباس عقب انتشار خبر المصالحة كون الأردن كانت مغيّبة عن بنود المصالحة وقلقة من سعي حماس للهيمنة على الضفة الغربية وما يستتبع ذلك من تأثير على الوضع الأردني الداخلي طالما أن أجهزة الأمن الأردنية ما زالت تنظر للحركة على أنها امتداد لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن، وتملك قوة وحضور فاعلين في ساحة الفلسطينيين من أصول أردنية.
يَسهُل على الباحث الحصيف إدراك المرامي الإسرائيلية من وراء اثارة البلبلة والقلق والتحريض باشتراطها المسبق لأي مفاوضات مع السلطة الفلسطينية نزع سلاح المقاومة وعدم وجود لحماس في حكومة الوحدة الوطنية الى غير ذلك من الأراجيف التي تبثّ بعناية ودراية بهدف احداث القطيعة بين الأطراف المعنية بالوضع الفلسطينية على عمومه. لكن ماذا عن المؤشرات الأخرى التي تعضّد وجاهة هذا القلق؟
لعلنا نتذكر تغريدات لقيادات حمساوية رفيعة تزامناً مع المداولات التي كانت تجري في القاهرة تفيد أن الولايات المتحدة لم تعد تضع فيتو على المصالحة الفلسطينية. ثم ما تلاها من حديث لقياديّ آخر حول رفض الحركة لما سمّاه "صفقة القرن" التي يُعدّ لها من أجل سلام وتطبيع شامل بين العرب وإسرائيل برعاية أمريكية ينهي القضية الفلسطينية ويبني تفاهمات وتحالفات إقليمية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
بعد إتمام المصالحة، بدأت تصريحات تخرج من قيادات في السلطة تؤكد أنها لن تسمح بتكرار تجربة حزب الله في قطاع غزة، في إشارة مباشرة إلى سلاح المقاومة الذي يعتبرونه سلاحاً خارج إطار السلطة، مغفلاً أن دولة لم تتحقق بعد في فلسطين وان الشرائع والقوانين الدولية تقرّ بوجود احتلال للأرض والشعب الفلسطيني وأنّ من حق هذا الشعب ممارسة كل أنواع المقاومة حتى ينال حريته.
والأحدث في سلسلة الإرهاصات التي تقود المنطقة الى منعطف حاد غير مألوف لدولها من قبل هو الحديث عن مخططات لقيام مشاريع عملاقة على ضفاف البحر الأحمر تشترك فيها عدد من الدول العربية في مشاريع استثمارية ضخمة، حيث لا يمكن لهذه المشاريع -على الأرجح- أن تحدث وأن تنمو دون تنسيق وتعاون وتقاسم مع إسرائيل.
وإذا ما تأملنا في تلك المؤشرات المسبقة وجمعناها بعضا الى بعض يساورنا الشك حقاً لما بالفعل قد تأول إليه الأمور أو تتجه اليه الاحداث على حساب النضال العربي والمقاطعة العربية للوجود الإسرائيلي ما لم تستجب لقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن.
وبالتالي تزدحم أمام أعيننا حزم من التساؤلات: هل نحن مقبلون على حلّ للقضية الفلسطينية حلّا حقيقيا عادلاً أم أننا أمام "صفقة القرن" تلك؟ هل النيّة تنطوي على القضاء على المقاومة وخنقها في داخل القطاع؟ هل هذا ما ستقدم عليه السلطة بعد أن تُسلم حماس كلّ الأوراق التي بيدها في القطاع؟
أيّاً ما كانت السيناريوهات، فإن الخيارات أمام حركة حماس قليلة، ولا يملك المرء إلا أن يقدّر الشجاعة التي تحلّت فيها الحركة عبر تقديم التنازلات لصالح المصالحة وهي تعلم يقينا أنها قد تجرّ إلى حتفها او أنها قد تقاد الى ذبحها. ويبدو أنها ارتأت في هذه الحال طرق أبواب العالم العربي شعوبا وحكومات، رافضة في ذات الوقت قطع أيّ علاقة مع من دعم القضية الفلسطينية او ساندها في المحافل الدولية او قدم لها شكلا من اشكال الدعم.