سيبه ده ديب
يطالب الرئيس المصري الشعب الفلسطيني بأن يتعايش مع الإسرائيليين .. موقف يذكر الكاتبة بطرفة حدثت مع أحد الجنود المصريين.
روى لي أحد الأصدقاء تجربة حدثت له في أول يوم له لتأدية الخدمة العسكرية التي يتشرف بها كل مصري. كانت الرواية على سبيل التندّر والطرفة، إذ حكى لي أنه في أول يوم له في الخدمة لم يتم تسيلمه سلاحاً، لإنه لم يتدرّب عليه بعد، وأمِرَ بالوقوف للحراسة على باب وحدته التي كانت في قلب الصحراء، في أثناء وقفته على باب، وهو لا يحمل سوى عصا خشبية، شاهد مخلوقاً يشبه الكلب، لكنه ليس كلباً، وكان هذا المخلوق مقبل عليه بثقة كبيرة، فما كان من أحد زملائه الذي كان واقفاً على برج المراقبة إلا أن نادى على صديقي هذا: يا فلاااان... سيبه ده ديب!
ارتعد صديقي الأعزل وهو يتمتم: أنا اللي أسيبه؟ أنا جيت جنبه؟ في عرضه هو اللي يسيبني.
أخيراً، لله الحمد، يبدو أن الفزع البادي على وجه زميلي قد أثار شفقة الذئب الذي غيّر رأيه وقفل عائداً من حيث جاء.
تذكرت هذه الواقعة حين قرأت نص خطاب سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي واصطدمت بمناشدته للشعب الفلسطيني: عليكم قبول التعايش السلمي مع الآخر.. مع الإسرائيليين!
"سيبه ده ديب"
وكأن الشعب الفلسطيني هو من حزم أمتعته، وذهب ليطرد سكان الأرض الأصليين، ويعمل فيهم قتلاً وقصفاً وتشريداً، ويبني مستوطنات على أنقاض السكان الأصليين وجثثهم.
وكأن الشعب الفلسطيني هو الذي يحمل الضغينة والعنصرية حيال المختلف.
وكأن الشعب الفلسطيني هو المُتسبّب في الأزمة، وكأن أزمة الفلسطين كلها تقع على كاهل الفلسطينيين الذين يرفضون "قبول التعايش السلمي مع الآخر"! آخر؟
معلومة بسيطة قد لا تهم أحداً: هذا الآخر اسمه محتل، بتعريف القانون الدولي وبإقرار الأمم المتحدة.
ثم الطامّة الكبرى كانت حين واصل سيادة الرئيس كلمته مطمئناً "الشعب الإسرائيلي" وهو يقول لهم: اطمئنوا نحن معكم جميعاً من أجل إنجاح هذه الخطوة، وهذه فرصة قد لا تتكرّر مرة أخرى، وكلمتى الأخرى إلى كل الدول المحبة للسلام والاستقرار، إلى كل الدول العربية الشقيقة.. أن تساند هذه الخطوة الرائعة، وإلى باقى دول العالم أن تقف بجانب هذه الخطوة التى إذا نجحت ستغيّر وجه التاريخ
يا سلاااام.. أنا الدمعة حتفر من عيني والله.
هكذا بمنتهى البساطة رسم رئيس جمهورية مصر العربية صورة غريبة عجيبة حول الصراع العربي الإسرائيلي: الفلسطينيون مشكلتهم الحقيقية أنهم لا يقفون وراء قيادتهم، وأنهم يختلفون، ويرفضون التعايش السلمي مع الآخر.
أما الإسرائيليون المساكين فمشكلتهم هي الخوف، هم يخافون من هؤلاء الهمج الذين يلفظونهم، ويتردّدون في المضيّ قدماً في عملية السلام بسبب الرعب الذي يمثله لهم الإنسان العربي، لذا، فوجب تذكيرهم بتجربتنا "الرائعة" في السلام مع إسرائيل.. نعم، ولا يحدّثكم عن روعة سلامنا مع إسرائيل سوى مصري يلعق التراب حرفياً ليصارع حياته اليومية، ووجب طمأنة الشعب الإسرائيلي الجميل المسالم، بإننا نقف معه، وأننا في صفه، وأننا نحميه، وسنغني له: ماما زمانها جاية، حتى يخلد إلى نوم عميق.
هذه الكلمات الحنونة لم يوجّهها رئيسنا إلى الشعب الفلسطيني الذي يفقد أطفاله ويُطرَد من دياره، كما أنه مرّ مرور الكرام على اليمن التي تعاني من الكوليرا بسبب قيام المملكة العربية السعودية بضرب محطات تنقية المياه، ما اضطر الأهالي في اليمن إلى حفر آبار بشكل بدائي وشرب مياه غير مُعالَجة، الأمر الذي أدّى إلى انتشار وباء الكوليرا، والأعجب أنه أخذ على الأمم المتحدة ادّعاءاتها بمكافحة الإرهاب بينما تعقد علاقات مع الدول الداعمة للإرهاب! الجدير بالذكر أننا قد منحنا إحدى الدول الداعمة للإرهاب جزيرتين ودكتوراه فخرية ومتحفا لعرض سروال مؤسس دولتهم.
كل ما سبق في كفّة، وأن يدعو الرئيس المصري، الذي مات في عهده الآلاف ما بين ضحايا التعذيب والتصفيات الجسدية وعنف طائفي، إلى دعم دولة المواطنة التي تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
طقيت من جنابي والله.