النمر في اليوم الأول حتى الأخير: لن أُروّض !

في السعودية الدين والسياسة صنوان. لا يختلفان، يتكاملان دوماً. هكذا تتفق المؤسسات جميعها على إعدام نمر باقر النمر. ليست مشكلة الرجل أنه شيعي المذهب. عمامته منتشرة في المملكة وخارجها، وليست اللغز. السبب.. قوله كلا...!

مشكلة الشيخ النمر أنه قال للنظام السعودي : كلا !...
حصل في التاريخ، أن يقتل رجال الدين رجل دين. اختلف معهم في الرأي أو الرؤية. مصيره الإعدام الجسدي أو المعنوي. وفي السعودية الدين والسياسة صنوان. لا يختلفان، يتكاملان دوماً. هكذا تتفق المؤسسات جميعها على إعدام نمر باقر النمر. ليست مشكلة الرجل أنه شيعي المذهب. عمامته منتشرة في المملكة وخارجها، وليست اللغز. السبب: قوله كلا... هذا ما حدث للقومي العربي ناصر السعيد، سابقاً. لم يصن النمر لسانه، فكان حصانه. حاول أولياء الأمر ترويضه: لنستخدم اللحم، وإن رفض يكون لحمه طعاماً للسيف. النمر هنا، عكس ما يحصل دوماً، وفقاً لقصة الكاتب السوري الكبير زكريا تامر. وهذا الافتراض المفترض:

رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانها، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف، وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: "إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهنة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن إلى هذا النمر. إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير، ويصبح وديعاً ولطيفاً ومطيعاً كطفل صغير، فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا".

بادر الرجال إلى القول أنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض. ابتسم المروض مبتهجاً، ثم خاطب النمر متسائلاً بلهجة ساخرة: "كيف حال ضيفنا العزيز"؟

قال النمر: "احضر لي ما آكله. حان وقت طعامي".

أبدى المروض دهشة مصطنعة: "أتأمرني وأنت سجيني؟ يا لك من نمر مضحك! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر".

قال النمر: لا أحد يأمر النمور".

قال المروض: "ولكنك الآن لست نمراً. أنت في الغابات نمر، أما وقد صرت في القفص فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء".

قال النمر بنزق: "لن أكون عبداً لأحد".

قال المروض: "انت مرغم على إطاعتي لأني أنا الذي أملك الطعام".

قال النمر: "لا أريد طعامك".

قال المروض: "إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه".

وأضاف مخاطباً تلاميذه: "سترون كيف سيتبدل فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة".

وجاع النمر، وتذكر بأسى أيام كان ينطلق كريح من دون قيود مطارداً فرائسه.. وفي اليوم الثاني، أحاط المروض وتلاميذه بقفص النمر، وقال المروض: "ألست جائعاً؟ أنت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم. قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم".

ظل النمر ساكتاً، فقال المروض له: "افعل ما أقول ولا تكن أحمقاً. اعترف بأنك جائع فتشبع فوراً".

قال النمر: "أنا جائع".

فضحك المروض وقال لتلاميذه: "ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه".

وأصدر أوامراه، فظفر النمر بلحم كثير.

وفي اليوم الثالث، قال المروض للنمر: "إذا أردت اليوم أن تنال طعاماً، نفذ ما سأطلب منك".

النمر: "لن أطيعك".

المروض: "لا تكن متسرعاً فطلبي بسيط جداً. أنت الآن تحوص في قفصك، وحين أقول لك: قف، فعليك أن تقف".

قال النمر لنفسه: "إنه فعلاً طلب تافه ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع".

وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة: "قف".

فتجمد النمر تواً، وقال المروض بصوت مرح: "أحسنت".

فسر النمر، وأكل بنهم بينما كان المروض يقول لتلاميذه "سيصبح بعد أيام نمراً من ورق".

وفي اليوم الرابع، قال النمر للمروض: "أنا جائع فاطلب مني أن أقف".

فقال المروض لتلاميذه: "ها هو قد بدأ يحب أوامري". ثم تابع موجهاً كلامه إلى النمر: "لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط".

فكظم النمر غيظه، وقال لنفسه: "سأتسلى إذا قلدت مواء القطط". وقلد مواء القطط فعبس المروض، وقال باستنكار: "تقليدك فاشل. هل تعد الزمجرة مواء". فقلد النمر ثانية مواء القطط، ولكن المروض ظل متجهم الوجه، وقال بازدراء: "اسكت اسكت. تقليدك ما زال فاشلا، سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغدا سأمتحنك. فإذا نجحت أكلت، أما إذا لم تنجح فلن تأكل".

وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية.

وفي اليوم الخامس، قال المروض للنمر: "هيا، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج".

قلد النمر مواء القطط، فصفق المروض، وقال بغبطة: "عظيم أنت.. تموء كقط في شباط". ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم.

وفي اليوم السادس، ما إن اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط. ولكن المروض ظل واجماً مقطب الجبين، فقال النمر "ها أنا قلدت مواء القطط".

قال المروض: "قلد نهيق الحمار".

قال النمر باستياء: "أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أقلد الحمار؟ سأموت ولن أنفذ طلبك".

فابتعد المروض عن قفص النمر من دون أن يتفوه بكلمة.

وفي اليوم السابع، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعاً، وقال للنمر: "ألا تريد أن تأكل؟".

قال النمر: "أريد أن آكل".

المروض: "اللحم الذي تأكله له ثمن، إنهق كالحمار تحصل على الطعام".

فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: "نهيقك ليس ناجحاً، ولكنني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقاً عليك"..

وفي اليوم الثامن، قال المروض للنمر: "سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق اعجاباً".

قال النمر: "سأصفق".

فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال: "أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالإيمان سننتصر".

قال النمر: "لم أفهم ما قلت".

قال المروض: "عليك أن تعجب بكل ما أقول وأن تصفق إعجاباً به".

قال النمر: "سامحني. أنا جاهل أمي، وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي". وصفق النمر، فقال المروض: "أنا لا أحب النفاق والمنافقين، ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك".

وفي اليوم التاسع، جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش وألقى بها للنمر وقال: "كل".

النمر: "ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم".

قال المروض: "منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش".

ولما اشتد جوع النمر، حاول أن يأكل الحشائش، فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويدا.ً

وفي اليوم العاشر، اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص، فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة.

لكن نمر باقر النمر، عاش في قفص، وأعدم كغيره في بلدان متعددة. رفض التدجين والترويض. رفض اللحم والحشائش من اليوم الأول وحتى الأخير. كثيرون تدجنوا ولهم من الأموال ما يكفي أحفادهم. أما النمر، له من عظات ما يكفي تلاميذته في دول كثيرة.