بغداد بين طهران والرياض: قبل أن يسافر التاريخ إلى المستقبل
بغداد تُدرك قبل غيرها، ولذا تسعى الى احتواء صدمة إعدام الشيخ نمر النمر، وارتداد ذلك في المنطقة، لأنها تعرف أن خصومة طهران والرياض، ستجد طريقها إن عاجلاً أو عاجلًا الى الميدان قبل السياسة في سوريا والعراق واليمن.
لا تريد بغداد، ولأول مرة تفكّر بهذه الطريقة، فتح أوراق التاريخ، لأنها إن عادت لأيام معدودة، ستجد نفسها شاءت أم أبت، في صف رافضي الإعدام، أي في صف ناقدي السعودية، وبشكل أوضح، في صف طهران، لاعتبارات أنها تجد أن عملية إعدام الشيخ نمر النمر، لم تَطُل مواطناً، بل مَن هو في صفوف عالِم ورمز ديني، عارض وفق منظومة فقهية وبشكل سلمي، وعلى أساس ذلك فإن النقد وتعابير الصدمة على إعدامه، لا تدخل في خانة التدخل بالشؤون الداخلية للدول، وعندما لم تجد مقصاً حاذقاً بين تشابك الأحداث، اختارت طريقاً جديداً، عنوانه، التحذير من التصعيد، ومثاله، معاناة العراق.
بغداد في حَرَج لكنه بسيط، فالعلاقات العراقية العربية، هدف تسعى الى رفعه، لكنها بذات الوقت، لا تعتبر موقف الجامعة العربية مع العراق في رفض التدخل التركي في الأراضي العراقية، يعني أن يقابله دعم عراقي ضد طهران، لا الواقع ولا الحكمة، ولا التحالفات، داخلياً وخارجياً تسمح بذلك، وإن حصل غير المتوقع وإن شكلياً في مجلس جامعة الدول العربية، فثمة عصى موسى بُعثت من جديد.
تستعجل بغداد لخلق تيار لا يدعو الى قلب المعادلة ضد السعودية في الجامعة العربية بشكل كامل، ولكن الى الهدوء فترة تبرد فيها أطراف الأزمة ومَن تشايع للتصعيد، لأنها تُدرك أن خصومة طهران والرياض، ستجد طريقها إن عاجلاً أو عاجلًا الى الميدان قبل السياسة في سوريا والعراق واليمن. بهذا الوضوح، تصارحت أطراف القرار في بغداد. لذا فلا سبيل الى التهدئة، وضبط الإيقاع، وكبح التصعيد، إلا التنسيق مع لبنان وعُمان والكويت والجزائر، هكذا وهكذا فقط، يمكن إيجاد موقف رسمي أهدأ من التصعيد الذي تريده السعودية، وأقرب الى المنطق وفق نظرة عراقية، ليس فيه غبن للإيرانيين أو حرق ملفات أخرى بحجة الأزمة، وعند ذلك سيتحقّق إن تحقّق، موقف عربي، وإن لم يكن له وزن في معادلات الميدان، لكنه هدوء تحتاجه المنطقة، وفترة سكون تسترق بين أصوات المدافع، حتى وإن كان واقعاً صعب المنال، حتى تجد تسوية ما طريقها، أو على الأقل، جمود مطلوب.
يتحرك العراق، مقدماً رده الدبلوماسي على تحرّك تركيا العسكري ضده نموذجاً، ليس ليُحتذى به، بقدر إحراج ذوي القربى في القومية، وهي فرصة سنحت له لتقديم انطباع أن ما حدث صحيح إنه لن يترمم سريعاً، لكن إغلاق قنوات التواصل كلها ليست إلا طريقاً انتحارياً، وأن المكابرة لها حدود، ولا بأس أن يتم اللعب قليلاً في المنطقة الرمادية سياسياً في هكذا أزمات، ذلك أن غبرة تعلو في الميدان العربي، العاقل من اتعظ إنها نِتاج الفرقة، وضياع البوصلة، واختلاط الأولويات، وتَرك تحديد المخاطر، وكلها من أسباب التهوّر، وانعدام النَفَس الطويل، وإن مستقبل التصعيد، ليس بحاجة الى نبوءة، لأن تاريخاً من الحروب، سيسافر اليه.