إيران والسعودية وتانغو البارود

مهما كان الامر، بغطاء دولي أو إقليمي، بعزلة دولية أو إقليمية، أي مواجهة في المنطقة لن تكون في واقع الحال من مصلحة أي من الطرفين، لذا إن كان هناك من طرف يرغب برقص التانغو على أصوات الرصاص، فحري بالآخر الإبتعاد، لأن التانغو، وتحديداً هكذا تانغو، يحتاج لإثنين.

تعاطت المملكة العربية مع الجمهورية الاسلامية بشكل حازم، ولم تكتف
لم يكن المشهد غائباً عن أحد. بدا واضحاً أن المسار المتفجر للعلاقة السعودية - الايرانية لن يوصل إلا إلى حيث هو اليوم، عتبة المواجهة. لكن المواجهة في قاموس الدول، وتحديداً تلك التي تقدم نفسها قوى عظمى إقليمية، ليست بالامر السهل لا سيما وأنها في الاساس منشغلة بحروب الواسطة في اليمن وسوريا والعراق، وفي النفط والغاز والطاقة، وكل ما يمكن ان يخطر على بال.

من دون توصيف صريح، تحاول السعودية تصوير إيران على أنها شيطان المنطقة الاكبر، تسعى إلى ذلك عبر شركائها في مجلس التعاون الخليجي، وتطلب التصديق عليه من حلفائها في الدول العربية، وتقوننه بقرار من جامعة الدول العربية، وتسوقه عبر آلة إعلامية محترفة وأذرع الكترونية ذات فاعلية. يكفي أن نذكر أن حسابا إلكترونياً واحد هو "إنفوجرافيك السعودية"، كان جاهزاً بمادة ذات جودة عالية وبأكثر من لغة للضرب بنحو مباشر، بعد إعدام الشيخ نمر النمر، وعند إحراق السفارة السعودية في طهران، ولحظة إعلان السعودية قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران.

تعاطت المملكة العربية مع الجمهورية الاسلامية بشكل حازم، ولم تكتف. كانت هي صاحبة الفعل ورد الفعل، بالمعنى الاقوى. إذا وضعنا جانباً حرق السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد، لا يمكن بالمعنى العملي رصد رد فعل إيراني حقيقي على الخطوات السعودية، اللهم إلا الكلام الخطابي. حتى الموقف الرسمي الايراني على لسان الخارجية سقفه كان الحديث عن الصبر، المرشد الأعلى تحدث عن الانتقام الإلهي وبقية الساسة من أسفل الهرم إلى ما قبل القمة ذهبوا في الاتجاه عينه.

إعدام النمر كان مفاجأة لإيران، تماماً كمفاجأة الحرب السعودية على اليمن يوم انطلاقها. لم تتوقع طهران أن تنحى السعودية هذا المنحى، أربكت وصدمت ولم تكن أساساً قد جهزت نفسها لرد فعل يناسب الفعل. بينما كان العقلاء في طهران يتدراسون ماذا هم بفاعلين؟ تولى أصحاب الرؤوس الحامية توجيه رسالتهم إلى الداخل والخارج، هؤلاء في الواقع لو ترك لهم أخذ الأمور إلى النهاية التي كانوا يفكرون فيها، لكانت الامور خرجت في المنطقة عن السيطرة. الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية في طهران ومشهد عكس إلى حد ما فقدان سيطرة إيرانية على الموقف في اللحظات الأولى، بل ويمكن القول إن الجهات الامنية أيضاً لم تكن في أجواء الخطوة الثانية. الأمر لم يطل حتى عادت الامور تحت السيطرة، بل وسعت طهران لمحاصرة الامر في أرضه بالقبض على المهاجمين، ومن ثم إقالة نائب محافظ طهران، وأخيراً طلب الخارجية من البلدية عدم تسمية شارع السفارة السعودية بشارع نمر النمر، في هذا الوقت كانت السعودية ترفع السقف أكثر.

يقول مسؤول إيراني إن السعودية تريد جر إيران إلى ارتكاب أخطاء على مستوى الإقليم، "إيران لن تنفعل مهما فعلوا، لا يمكن أن يفرضوا علينا أجندتهم". يقول البعض إن السعودية إستغلت حالة التكبيل التي تسيطر على إيران قبل أيام من بدء تطبيق الاتفاق النووي، وبينما هي تنتظر نتائج المفاوضات حول سوريا واليمن، لكن هذا التكبيل مرده إلى ما تراه إيران من منظورها "إنجازات سياسية من قبيل فرض رؤيتها على المجتمع الدولي فيما يتعلق ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وفرض حلفائها في اليمن وجودهم على طاولة المفاوضات كفريق رئيسي في الحل، وتطبيع إقتصادي مع الغرب على عتبة تطبيق الإتفاق النووي".

وبحسب المسؤول الإيراني "السعودية تريد تغيير المسار بأي ثمن ممكن، حتى لو كان الثمن مواجهة إقليمية غير متكافئة من وجهة نظرنا"، ويضيف المسؤول في دردشة على الانترنت "المواجهة الدبلوماسية ليست في مصلحة أحد، إيران أمضت ثلاثة عقود من دون سفارة أميركية، وسنوات عدة من دون البريطانية، لن يؤثر كثيراً عليها وجود سفارة سعودية من عدمها، رغم أننا نتمسك بالعلاقات مع جميع جيراننا ورأينا كيف كان التفاعل بارداً مع القرار السعودي".


يعتقد الايرانيون أن التفاعل الخليجي مع قرار قطع العلاقات عكس حالة المجاملة الباردة التي اعتمدتها الدول الخليجية مع الرياض، وحدها البحرين قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران، أما الامارات فخفضتها مع الابقاء على قائم بالأعمال، الكويت إستدعت السفير فيما قطر إنتظرت أيام عدة حتى قامت بالخطوة، أما عمان فكانت تغرد كلياً خارج السرب، مع تعبيرها عن الأسف للهجوم على السفارة. عربياً المشهد كان أكثر وضوحاً، السودان وجيبوتي والصومال وجزر القمر يقطعون العلاقات الدبلوماسية مع طهران، بينما مصر والمغرب والاردن وموريتانيا يكتفون بالتعبير عن الاستياء من دون أي خطوات دبلوماسية حقيقية.

المفاجأة الكبرى كانت في التفاعل الغربي والأميركي مع الازمة، تحديداً الأميركي حيث بدا الأميركيون أقرب إلى الايرانيين منهم إلى السعوديين، ما دفع عدد من كتاب المقالات الرئيسين للسؤال بشكل واضح عن الاسباب الكامنة وراء ذلك، بينما ذهب البعض الآخر إلى تبرير الموقف الأميركي وسرد المشتركات التي تجعل الوقوف مع إيران في موضع كهذا أمراً طبيعياً. ربما هي إشارة أيضاً إلى أن واشنطن لا ترغب في تغطية الخطوات السعودية الأخيرة.

مهما كان الامر، بغطاء دولي أو إقليمي، بعزلة دولية أو إقليمية، أي مواجهة في المنطقة لن تكون في واقع الحال من مصلحة أي من الطرفين، لذا إن كان هناك من طرف يرغب في رقص التانغو على أصوات الرصاص، فحري بالآخر الإبتعاد، لأن التانغو، وتحديداً كهذا تانغو، يحتاج إلى إثنين. 

إعدام النمر كان مفاجأة لإيران، تماماً كمفاجأة الحرب السعودية على اليمن