التدخّل البرّي السعودي: الجَمَل بعيداً عن بادية الشام

الإبل، لا يُعرف تماماً كيف خلقت. والخلطة السعودية لا يُعلم كيف تصنع. تمتزج الخطط في الغرف الاستخباراتية وفي الديوان الملكي. فَمُ الجَمَل ولسانه على جاهزية تامة لقلع أشواك إيران. ولأن المملكة لا تمتلك مشروعاً واضحاً، تعرقل أي مشروع آخر.

هل تغامر الرياض بالتدخل البري في سوريا؟
ليس عبثاً أن يُسمّي الجيش السعودي مناوراته "رعد الشمال". تجري المناورات شمال المملكة وأهدافها شمالية. ولأن الرعد يسبقه البرق، أبرق علي العسيري، عبر تصريحه "بالون اختبار" للتدخل البري في سوريا. عادل الجبير، التقى جون كيري، وأطلعه على النوايا. حطّ الملك البحريني في سوتشي الروسية وبيده رسالة سعودية. حمل حمد بن عيسى آل خليفه، معه إلى المنامة حصاناً عربياً مُكنى بـ"حجي بك". الحصان لا يتجاوز سِنُه عمر الأزمة السورية. وأهدى الملك، فلاديمير بوتين، سيفاً دمشقياً عتيقاً، قال إنه حاد جداً. تبادل الهدايا ليس للذكرى إنما لتذكّر الواقع.

يغامر الجَمَل السعودي خارج الحدود. أسفاره حمولتها زائدة. قامر في الميدان. أرسل "درع الجزيرة" لردع غضب جزيرة البحرين. حَزَمَ في "عاصفة الحزم" ووجه ضربة قاسية. آملاً في "إعادة الأمل" لإعادة ترتيب أية تسوية. استقطب النقيضين "فتح" و"حماس". سحب الملف السوري من تركيا وأصبح وصيّاً على المعارضة. ساهم بإطاحة نوري المالكي. رفع منسوب التأّزم مع إيران. وقف بوجه واشنطن في أكثر من مناسبة. تقارب مع فلك إسرائيل كجس نبض لا أكثر. روّض القاهرة. احتضن الدوحة. أغرى باريس وإسلام أباد. ولأن الجَمَل يتميّز بمخزونه ويستطيع العيش ثمانية أيام من دون طعام أو شراب، تلاعَب بأسعار النفط. حرب الذهب الأسود أسوأ المواجهات وأكثرها تأثيراً.

هبّت عاصفة داعش. لفحت رياح التفجيرات والتهديدات السعودية. عينا الجَمَل مجهزتان لحمايته من رمل الصحارى وكذلك أنفه. عليه رأى عبر جفونه الشفافة خطر "داعش". وشمّ رائحة البارود وتخلّي واشنطن عن الإقليم. لذلك شارك الجَمَل في التحالف الدولي وأنشأ التحالف الإسلامي لمحاربة التنظيم المهدّد الأول لسنامه. الآن، أتى دور اتخاذ القرار الصعب. الحرب البريّة في الشمال، بعدما جرّبها في اليمن. لكن أن تكون على أبواب صنعاء لا يعني أنك تملك مفاتيح دمشق.

الإبل، لا يُعرف تماماً كيف خلقت. والخلطة السعودية لا يُعلم كيف تصنع. تمتزج الخطط في الغرف الاستخباراتية وفي الديوان الملكي. فَمُ الجَمَل ولسانه على جاهزية تامة لقلع أشواك إيران. ولأن المملكة لا تمتلك مشروعاً واضحاً، تعرقل أي مشروع آخر. التغوّل التركي خطر أيضاً، لكن يمكن تسخيره لكبح جماح بلاد فارس. أوقعت السعودية خصمها الإيراني في أكثر من فخ. الفخ اليمني واضح. استنزاف صريح في سوريا. جرّ طهران إلى ملعب إحراق السفارات وقطع العلاقات. إحراج لحزب الله في ملف الرئاسة اللبنانية بعد مبادرات سعد الحريري. واللافت سحب ورقة السودان من ملف إيران. لكن الصعوبة هي في الميدان. يحقّ لإيران أن ترتعد للتهديدات السعودية. فهي جادة وجدية وإن لم تنفّذ. ويحقّ للسعودية أن تثبت للغرب أنها تحارب الإرهاب.

يصبر الجَمَل كثيراً. وفي لحظة يفجر. السعودية فجرت وتنفجر في وجه خصومها. ساوت بين شيوخ تنظيمي القاعدة وداعش والشيخ النمر. لا تفرّق بين بشّار الأسد، وأبو بكر البغدادي.

تجربة جبال اليمن لا تصلُح في بادية الشام. الغطاء القانوني يمكن تأمينه لكن ماذا عن الغطاء الجوّي؟ هل سيكون ضمن إطار التحالف الدولي؟ والأخير لا يريد قتال الجيش السوري ويعتبره حليفاً. هل الطيران التركي سيتحرك؟ أم أن التنسيق سيكون مع حلف شمال الأطلسي؟. الإجابة أتت عند إسقاط قاذفة السوخوي الروسية. سارع الجميع لاحتواء الانفجار، واهتم رجب طيب أردوغان بلقاء بوتين. حينها تخلّى الأطلسي عن أكبر جيش فيه يمتلك سلاح مشاة وأهم قاعدة عسكرية هي "انجرليك". هنا، لا بد من إرضاء موسكو أولاً والبحث عن تسوية. وكل المؤشرات لتدخلات بريّة هي لابتزاز باراك أوباما في عامه الأخير، ولتسويق تسوية أقوى لصالح السعودية. فلا يمكن للسعودية أن تجرّ جيشها الى سوريا. ليس لأن وليد المعلم، وعدهم بـ"صناديق خشبية"، ولكن دولة لم تستطع تزويد المعارضة بصواريخ "تاو" أو "ستينجر" لا يمكنها تأمين التوافق الدولي أو حماية الجَمَل ليصل إلى بادية الشام.