كواليس ميونخ: روسيا لم تساوم والغرب غير مهتم بمغامرة السعودية

مع نهاية اجتماع ميونخ وبينما كان لافروف وكيري منكبان على صياغة البيان النهائي للمؤتمر، خرج دبلوماسي غربي شارك في اللقاء ليعلن فشل كافة المحاولات التي قام بها الغرب والأميركيون تحديداً من أجل اقناع الروس "بوقف القصف مباشرة".

لافروف وكيري ودي ميستورا في ميونخ (أ ف ب)
في بهو فندق "هلتون بارك" الواسع في الضاحية الهادئة لمدينة ميونخ الألمانية، حيث ملأ الصحافيون كافة المقاعد، انتهز وزير خارجية دولة عربية، خارج الاصطفافات الحالية وعلى اتصال مباشر وعلاقة طيبة مع وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، غياب أحد الصحافيين عن مقعده ليجلس بضع دقائق قبل الدخول إلى قاعة مؤتمر مجموعة الرعاية الدولية، اقترب منه عدد من الصحافيين العرب الذين يعرفونه جيداً، وسألوه ما إذا كانت السعودية جادة في الدخول برياً إلى سوريا، وجاء الجواب مرفقاً بابتسامة صغيرة: هل ستحارب السعودية روسيا؟

الرد كان واضحاً، فالقرار بالمغامرة غير متروك للرياض، ومن يقرر عن الرياض وبقية الدول القلقة من الدخول الروسي الواسع في الحرب السورية هي الولايات المتحدة فقط، حتى الآن، القرار مستبعد لدى الإدارة الأميركية، وحلف الناتو الذي كان يجتمع في بروكسل بالتزامن مع مؤتمر ميونخ، خرج بنتائج تعكس الخوف الغربي من التمدد الروسي عبر قرارات تركز على تعزيز الحضور العسكري الأطلسي في أوروبا الشرقية وعلى تخوم روسيا، بما يعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل سقوط جدار برلين، أما من الناحية الشرق أوسطية، فلم يتخذ الحلف أي قرار يوحي بالاستعداد لتبني الخيارات السعودية وتهديداتها بالدخول البري إلى سوريا، وعلى هذا الأساس اقتصرت الترجمة الوحيدة للتهديدات السعودية على إرسال المزيد من العتاد والأسلحة والطائرات الحربية إلى قاعدة "أنجرليك" التركية "تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن" بحسب تصريح لأحمد عسيري، مستشار مكتب وزير الدفاع السعودي.

يد موسكو طليقة إذاً في الشمال السوري، قبل بدء مؤتمر ميونخ، طرح الروس وقفاً لإطلاق النار مطلع شهر آذار/مارس المقبل، ما يعني أن الروس الذين يصرون على إقفال الحدود السورية - التركية أمام تدفق المقاتلين والسلاح إلى سوريا، بحاجة فقط إلى أسابيع قليلة للوصول إلى هذا الهدف، وخلال النقاش مع الدول الـ17 في ميونخ، ذهب سيرغي لافروف مباشرة ودون مواربة في إعادة طرح المبادرة مع التوقيت ذاته، رافضاً الطرح الأميركي المقابل بوقف فوري للنار.

ومع نهاية الاجتماع وبينما كان لافروف وكيري منكبان على صياغة البيان النهائي للمؤتمر، خرج دبلوماسي غربي شارك في اللقاء ليعلن فشل كافة المحاولات التي قام بها الغرب والأميركيون تحديداً من أجل اقناع الروس "بوقف القصف مباشرة".

الدبلوماسي الغربي قال "فشلنا بالحصول من الروس على وقف للقصف، هم على استعداد للحوار من أجل التهدئة في أي منطقة من سوريا عدا مناطق الشمال المحاذية للحدود التركية، مصرون على استكمال العملية العسكرية هناك".

ويأتي القصف التركي للأراضي السورية وتحديداً للمناطق التي تسيطر عليها قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لتضع الماء في مطحنة الروس، ومنحهم التبرير الإضافي لاستكمال الحملة العسكرية.

على هذا الأساس، وافق الروس وإلى جانبهم الإيرانيون في ميونخ على "مبدأ" وقف الأعمال العدائية، وأعطوا مهلة أسبوع لبدء سريان المفعول في كافة المناطق (عدا الشمال المحاذي لتركيا)، وخلال هذا الأسبوع الذي ينتهي يوم الخميس 18 شباط/ فبراير الجاري، على المرجعيات الدولية والاقليمية التي تدعم المجموعات المسلحة "المعتدلة" بحسب التوصيف الغربي والسعودي - التركي، أن تقنع هذه المجموعات بالتزام تفاهم فيينا ووقف الاعمال العدائية، وعلى الأمم المتحدة أيضا، أن تجهز خرائط واضحة، بالتنسيق مع الثنائي الروسي الأميركي، تظهر المناطق التي يشملها قرار وقف الأعمال العدائية.

الكرة إذاً باتت في ملعب القوى الداعمة للمجموعات المسلحة لتبرهن مدى تأثيرها على هذه المجموعات، لأن الطرف الآخر، أي من جهة الحكومة السورية وميليشيات "الدفاع الوطني" الموالية لها، وصولاً إلى كافة حلفاء الحكومة السورية الأجنبية، فكلها تلتزم بقرار واحد فور صدوره وفي توقيت واحد، بحسب ما قال مصدر أممي شارك في مؤتمر ميونخ للميادين.

وأمام المشهد الميداني المعقد، خرج مؤتمر ميونخ بتقدم واضح لجهة تسهيل مرور المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق المحاصرة، وبدا الروس والإيرانيون في هذا اللقاء أكثر إصراراً من أي وقت مضى على ضرورة الإسراع في حسم هذا الملف نهائياً، وعلى وضع ما يجري التحضير له في الاجتماعات التي بدأت في مقر الأمم المتحدة في جنيف بعد ساعات قليلة على نهاية مؤتمر ميونخ لمجموعة العمل المنبثقة عن مجموعة الرعاية الدولية، موضع التطبيق في أقرب فرصة ممكنة.

الدبلوماسي الغربي، كشف أن الروس "موافقون وبكل جدية على فتح الممرات لادخال المواد الانسانية إلى كافة المناطق المحاصرة"، والأمم المتحدة التي تعمل على الحفاظ على 25 شباط الجاري موعداً للجولة المقبلة من جنيف3، تربط تثبيت هذا الموعد بتطبيق البنود الإنسانية من القرار 2254 حصراً، ما دفع بالدبلوماسي الغربي إلى القول "صحيح أن الروس رفضوا وقف القصف في الشمال السوري، لكنهم لم يأخذوا منا موافقة على استئناف جنيف3 إلا بتطبيق الشروط الإنسانية المسبقة"، والناطق باسم الهيئة العليا للمعارضة سالم المسلط الذي داوم على الحضور بين الصحافيين طيلة الساعات الخمس لمؤتمر ميونخ، أكد فجر الجمعة وبعد صدور البيان الختامي عن كيري ولافروف "أن العبرة بالتنفيذ، وأننا ننتظر تطبيق الوعود وادخال المساعدات لنحدد الموقف من استئناف حوار جنيف".

الأمم المتحدة من جهتها، مقتنعة بأن وقف الأعمال العدائية ليس بالأمر "السهل في أزمة معقدة كالازمة السورية"، بحسب التوصيف الحرفي لمصدر أممي للميادين، والمراهنة على استئناف جنيف3 في موعد جديد في 25 الجاري، وربما قبل ذلك التاريخ، تبقى على تجاوز عقدة المساعدات الإنسانية برعاية وتنسيق روسي - اميركي - اممي.