إنتخابات إيران وألوانها
الفسيفساء الانتخابية المتعددة الالوان، والإقبال الواضح من جميع القوى على المشاركة، ستكون الإنتخابات التشريعية ومعها إنتخابات مجلس الخبراء إستفتاء جديداً للثورة بعد ما يقارب الأربعة عقود على مدى الإلتفاف الشعبي الذي يحيط بها، وعلى كونها تخطت كل الهزات التي مرت بها، داخلياً وخارجياً.
منذ سنوات ومحمد رضا يقود سيارة أجرة بعد دوامه في إحدى المؤسسات الحكومية
خلف الوجوه المتدثرة بإبتسامات خجولة في شوارع طهران،
تختفي أسئلة مصيرية تكاد تقلق كل إيراني يرى نفسه خلال السنوات المقبلة على أرضه
وبين أهله. يقود محمد رضا سيارة الأجرة بينما ينفث في الهواء بقايا دخان سيجارته
متسائلاً "ماذا ستغير الانتخابات في حياتنا؟ هل سيكون الشهر المقبل أفضل من
هذا الشهر؟". بساطة المواطن في الطرح والتوقع لا تلغي سؤاله المصيري الذي
يعني عائلته الصغيرة، المؤلفة من ستة أفراد، زوجته وهو، وإبنة في الجامعة وثلاثة
أبناء يدرسون في المدرسة.
منذ سنوات ومحمد رضا يقود سيارة أجرة بعد دوامه في
إحدى المؤسسات الحكومية. هي فرصة لجمع بضعة تومانات (التومان هي العملة في إيران)،
تعينه وعائلته على الحياة التي تزداد متطلباتها يوماً بعد يوم.
"ليس لدي رفاهية البقاء في البيت، أعمل حتى
العاشرة مساء وأعود بعدها لأنام بإنتظار يوم آخر لا يختلف عن السابق، لكن ذلك لا
يعني أني لا أعيش على الأمل". يرمي الرجل الخمسيني بالمسؤولية على الحكومات
المتعاقبة، كما على العقوبات التي "حاولت إخضاع أمتنا من أجل تقديم
تنازلات"، يبتسم وهو يذكّر نفسه بأن العقوبات تهاوت مؤخراً "كل ما نأمله
الآن هو أن تستفيد الدولة من هذه الفرصة لتأمين فرص عمل للشباب، الذين يدخلون
الجامعات ويخرجون من دون وظائف مناسبة لإختصاصاتهم".
بعد أيام قليلة يتوجه محمد رضا وبقية أفراد عائلته
لإختيار نائب عنهم في مجلس الشورى الإسلامي الجديد، هو لا يرغب في كشف لمن سيذهب
صوته "هذا أمر خاص بي، القضية ليست حول أشخاص نختارهم، القضية ماذا سيفعلون،
الشعارات لم تعد تغريني". سيكون عليه الاختيار في طهران بين أكثر من 1200 مرشح
يتنافسون على 30 مقعداً نيابياً، أي أن لكل مقعد نيابي ما يزيد عن 20 مرشحاً بعضهم
يشبهون بعض وبعضهم الآخر يختلفون.
لوائح المرشحين أصبحت تقريباً جاهزة لأمثال محمد رضا
من المواطنين للاختيار. الإصلاحيون أعلنوا عن لائحتهم الرئيسية بزعامة نائب الرئيس
الأسبق محمد رضا عارف، الذي يسعى منذ إنتخابات الرئاسة في العام 2013 لإخراج فريقه
السياسي من ثلاجة مظلمة كان دخلها بعد إحتجاجات العام 2009، التي تلت الانتخابات
الرئاسية التي قال حينها الإصلاحيون إنها شهدت تلاعباً وانتهت بوضع بعض زعماء هذا
التيار في الإقامة الجبرية، وتحول البعض الآخر إلى حالات سياسية صامتة. يريد عارف
أن يقول إن الاصلاحيين تخطوا تلك المرحلة وطووا تلك الصفحة وأصبحوا جاهزين للعودة
بقوة إلى الساحة السياسية.
ليس بعيداً من خط الاصلاحيين يقف المعتدلون بقيادة
علي مطهري الذي وجد نفسه على لائحة الإصلاحيين الرسمية، التي إستبعد عنها إصلاحيون
مرشحون. مطهري وهو إبن آية الله حسين مطهري، أحد مناضلين الأوائل في الثورة، والذي
إغتيل بعد أشهر قليلة على إنتصارها، لديه لائحة خاصة بإسم "صوت الشعب".
يقول المرشح الذي رفضه مجلس صيانة الدستور بعد ترشحه وعاد وسمح له بالمشاركة في
الإنتخابات بعد الإستئناف إنه، "أقرب إلى الرؤية السياسية للإصلاحيين، أما
ثقافياً فأقرب إلى المحافظين". سيخوض مطهري الانتخابات بسقفه العالي المعتاد
والذي جعله شخصية جدلية في المجلس وخارجه، وهو يأمل أن يأتي بكتلة وازنة تجعله
قادراً على فرض معادلات جديدة في المجلس.
يخوض هذا الفريق الإنتخابات بقلب قوي وهو المستند
إلى ما حققته الحكومة في المفاوضات النووية، وإن لم يكن هناك من ربط مباشر بينهم
وبينها. هو يعلم انه بغض النظر عن كل المعطيات سيكون المفضل للفوز لدى رئيس
الجمهورية الإسلامية حسن روحاني، الذي يعول على إنجلاء الغبرة عن مجلس غير مزعج
يسهّل عليه تنفيذ برنامجه ولا يعيق خطواته، وبالتالي يجعله أكثر تفاؤلاً بتجديد
الولاية في إنتخابات العام 2017 الرئاسية. إنتزع الرئيس الإيراني من مجلس الشورى
الكثير من القرارات في الأشهر القليلة الماضية بحكم الضرورة، لكنه سمع ورأى
المحافظين وقد سعوا في كل مناسبة لتصيد أخطائه وأخطاء زملائه، وهو يدري جيداً أنه
في بلد كإيران كثرة الضجيج قد لا تؤثر مباشرة، لكنها تترك أثراً يبقى ولا يسهل
محوه مع الزمن، وهناك من يرغب حقاً في ذلك.
المحافظون أو المبدئيون كما يسمون في إيران يدخلون
الانتخابات بأعداد كبيرة من المرشحين، هم للمرة الثانية على التوالي، بعد
الإنتخابات الرئاسية، يعكسون قوة التيار وقدرته على تقديم شخصيات وتيارات متعددة،
بيد أن لهذه القدرة إنعكاساتها السلبية عملياً، إذ أن الأصوات بذلك تتشتت وتتوزع
ما يفتح المجال بشكل أكبر أمام المنافسين المتكتلين ضمن بوتقات أصغر لحصد كتلة
أكبر. سيكون التحدي الأهم عند المحافظين توجيه الناخبين، وفي آن الوصول لإتفاق مع
المرشحين من ذات التوجه للإنسحاب لصالح من يملك فرصاً أكبر، وهذا ما عمل عليه غلام
حداد عادل، الرئيس السابق لمجلس الشورى، والذي يتصدر الحملة الإنتخابية. عادل طالب
المرشحين المحافظين ممن لم تضمهم القائمة الموحدة للإنسحاب وتجاوب فوراً معه ما
يقارب 16 مرشحاً. المفاجئ أن قائمة المحافظين لم تضم أي من المرشحين القريبين من
رئيس مجلس الشورى الحالي علي لاريجاني، الذي بدوره قدّم ترشيحاً منفرداً
للإنتخابات في مدينة قم، في ظل همس في الكواليس حول طموحات حداد عادل بالعودة إلى
رئاسة المجلس، وهذا ما قد يعني منافسة بين الأصدقاء على رئاسة السلطة التشريعية في
البلاد.
مكون سياسي آخر يبدو طموحاً وهو يتقدم إلى
الإنتخابات، جبهة "يكتا" التي تضم مسؤولين سابقين في حكومة الرئيس
السابق محمود أحمدي نجاد، تخوض الإنتخابات بعدد من المرشحين وهي تنأى بنفسها عن
المحافظين والإصلاحيين، وتقول إنها تقدم خياراً جديداً للشارع، ومع أن البعض يقول
إنها مدعومة من الرئيس السابق، إلا أن أحمدي نجاد نفى أن يكون واقفاً خلفها.
أمام الفسيفساء الانتخابية المتعددة الالوان،
والإقبال الواضح من جميع القوى على المشاركة، ستكون الإنتخابات التشريعية ومعها
إنتخابات مجلس الخبراء إستفتاء جديداً للثورة بعد ما يقارب الأربعة عقود على مدى
الإلتفاف الشعبي الذي يحيط بها، وعلى كونها تخطت كل الهزات التي مرت بها، داخلياً
وخارجياً، وهذا ما سيعني بدوره جولة تجريبية للإنتخابات الرئاسية القادمة بعد عام
وبضعة أشهر، والتي من المتوقع أن تشهد تنافساً غير مسبوق مع ظهور تيارات جديدة على
الساحة كسرت ثنائية الإصلاحيين والمحافظين وقدمت خيارات جديدة لشعب يعشق تعدد
الألوان.
ليس بعيداً من خط الاصلاحيين يقف المعتدلون بقيادة علي مطهري