الصرصور والسفير

استخدم الصرصور قرون استشعاره. يمكن ان يكون من داخل السفارة أو عميلاً خارجياً جنّده الموساد. لكن السفير يعرف التفاصيل فهو من قال لعمر بحسب شقيقه إن "اسرائيل ستقتلك بالسُم". قضي الأمر: النايف شهيداً.

فرق شاسع بين الخطأ والجريمة
فرق شاسع بين الخطأ والجريمة. ارتكاب الذنب من دون تعمّد يمكن غفرانه. الجريمة متعدّدة الأركان، مُثبتة الأدلة والوقائع تصعب المسامحة فيها. يمكن نسيانها. الاعتراف سيّد الادلة. الصور فقط للصحافة والأرشيف.  صاحب "الفراعين" يفتخر بلقائه السفير الإسرائيلي. هكذا ارتكب توفيق عكاشة جريمة القتل العُمد لمشاعر الملايين.

في صوفيا جريمة بحق الدبلوماسية الفلسطينية. اغتيال عمر نايف مُتوقّع. موقف السفير أحمد المذبوح غير مُتوقّع. خطأ أُضيف الى جريمة ليس سهلاً على شعب اغتيل قادته أن يغفر خطأ سفير. ليس صعباً على شعب يرفض التطبيع نسيان لقاء سفير العدو.

حدثان ارتبطا عميقاً بسفيرين المفترض أنهما عدوان. جريمتان في حضرة السفيرين. الأولى: سياسية تطبيعية. الثانية: جنائية غير طبيعية. ليست المشكلة أساساً باللقاء. الإشكالية هي بطريقة التفكير. أن يُطبع بعض المصريين الرسميين، الاقتصاديين، الفنانيين، أو الرياضيين يعني أن الدولة تريد ذلك. الدولة ليست مصر. الرأي العام لا يعني كل مصر. الشعب هو الأصل وصاحب الفعل وردة الفعل. مجلس النواب يمثّل الشعب. صورة مُصغّرة للعمال والفلاحين للأحياء والشهداء، للجنود عند الحدود ومن هم خارج الحدود، للمتعلمين والأميين... لذلك وقف كمال أحمد منفذاً حكم غالبية الشعب فضرب "العكش" بحذاء وضعه عكاشة مرة على طاولته مهدداً به لضرب الفلسطينيين.

أن يتنصّل المذبوح من ذبح فلسطيني في سفارة هو مديرها يبرّر تهرّب وزير الخارجية رياض المالكي ومعه السلطة الفلسطينية من المسؤولية. تشكيل لجنة تحقيق تكشف الحقيقة إن استطاعت أمر مفيد. لكن لجنة سابقة تم تشكيلها لمعرفة حقيقة اغتيال مؤسّس حلم الدولة ياسر عرفات لم تكشف خيطاً بعد 12 عاماً من الجريمة. صحيح أن ملابسات الاغتيال غير واضحة بينما الواضح أن الموساد وراء ذلك. لكن ما هي آلية التنفيذ؟ بعد شهرين من استضافة نايف في مبنى السفارة، اخترق الصرصور من تحت عتبة الباب. تسلّل واضعاً للضحية السُم أو حقنها بمحلول معين، أو .... التخمينات كثيرة والفرضيات تتكاثر مع كل تصريح أو معلومة لكن من هو الصرصور؟

استخدم الصرصور قرون استشعاره. يمكن ان يكون من داخل السفارة أو عميلاً خارجياً جنّده الموساد. لكن السفير يعرف التفاصيل فهو من قال لعمر بحسب شقيقه إن "اسرائيل ستقتلك بالسُم". قضي الأمر: النايف شهيداً.

لا يمتلك الصرصور قلباً. لله في خلقه شؤون. يمتلك أنابيب ضاغطة تحرّك الدورة الدموية بكلا الاتجاهين. لذلك لا يعرف الصرصور التعب أو ضعف اللياقة. يُمكن أن يتحدث لساعات طويلة. حركته سريعة ومتسرعة. يتكيف فوراً مع محيطه والوضع السائد. يخرج في فترة الصمت مصرصراً مفتشاً عن الغذاء. العجيب أن رموش الإنسان النائم أو الميت طعامه المفضل. هذا كله يجعله يُطبع مع اعدائه أو يقتل عدو أعدائه فقط لنيل مصلحته.

لقاء عكاشة مع السفير الإسرائيلي حاييم كورين تم بمعرفة السلطات العليا. هدفه استطلاع رأي الشارع أو حرق "العكش" شعبياً. لذلك خرج يفضح ما تيسّر له من أسرار. أما قتل نايف لا يُعرف تماماً إن كان بمعرفة المقاطعة لكن الأكيد أن الخيوط يمكن كشفها. الأُمنيات ألا يكون فلسطينياً متورطاً بذلك. وفي الحالتين كان للشعب رد على الجريمتين. لو كان الرد عاطفياً أو إعلامياً في النهاية يكون الرد واقعياً. الرد على عكاشة كان من أهل قريته حين نبذوه. الرد على جريمة نايف كان بوئام الفلسطينين حول القضية واحتمالية الرد عسكرياً. الرد على الصرصور لا يكون فقط بالدعس وهذه ربما تعتبر جريمة. يمكن أن يكون بفصل رأسه عن جسده. من عجائب الصرصور أنه يعيش أسبوعاً من دون رأس. والصرصور بطبعه يخاف الناس فماذا لو طبع أو قتل؟ ما أجمله من رد أن يبقى مع من يخشاهم بلا رأس أو إحساس وهنا يمكنه أن يصادق السفير أو يختبئ في السفارة.