أوباما: هذا أنا!
هي أشهر قليل ويمضي أوباما في سبيله، ربما يكتب مذكراته وربما يدرّس في إحدى الجامعات وربما يعمل جاهداً للتأسيس لعودة لسدة الرئاسة بعد فاصل من الزمن، لكنه يترك بين يدي من سيخلفه، جمهورياً كان أم ديموقراطياً، عقيدة سياسة خارجية مثيرة للجدل والانتباه في آن، سيكون على حليفه الإستفادة منها إذا ما فاز الديموقراطيون، ولن يقدر خصمه على الخروج منها بسهولة إذا ما إنتصر الجمهوريون.
هو في الواقع طبّق مقولاته في مقابلة جيفري غولدبرغ لمجلة الأتلانتيك خلال السنوات الفائتة، لكنه أراد ترتيبها قولاً لتبقى في إرثه السياسي لمن يرغب أن يقرأ، هو باختصار يقول أنا رئيس التفويض، وأميركا لم تعد بعد الآن قادرة على التدخل في كل شيء، باختصار واشنطن تريد بناء سور بينها وبين المنطقة، تتعاطى في الملفات الكبرى لكنها في التفاصيل تتواصل مع الأطراف الأقوى والقصد هنا بشكل رئيس كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.
في ذلك استعادة صارخة لعقيدة ريتشارد نيكسون التي كانت تقوم في الخليج خلال السبعينات على مبدأ Twin Pillars أو العامودين التوأم، لكن زمن نيكسون غيره زمن أوباما. حينها كان الشاه حليفاً للولايات المتحدة كما السعودية، وكانت الرياض وطهران رغم الخلافات تحتفظان بخطوط تواصل بينهما تسمح بعدم اصطدام الأعمدة، كما أن التحديات التي كانت تواجه العالم والمنطقة كانت مختلفة تماماً عن تحديات اليوم. مع ذلك يبدو أوباما من خلال دعوته البلدين لإيجاد صيغة تشاركية للنفوذ في المنطقة كمن يذهب أبعد من الحد المتوقع له بالقول بوضوح حتى في هذه الصيغة المشتركة لن أتدخل.
ليس في الأمر مشكلة لدى الإيرانيين، إذ إن العلاقة مع الإدارة الأميركية الحالية لم يطرأ عليها أي تغيير حقيقي، بغض النظر عن اللقاءات الماراثونية التي جمعت وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على مدى السنوات الثلاث الماضية. صحيح أن الجليد تكسر، لكن الجليد في الأساس كان متجمعاً على جبال من الصخور لا تزال تحتاج لسنوات أخرى كي تبدأ بالزوال، إن كانت في الأساس قابلة لتزول.
التعديل الذي طرأ على أساس العلاقة هو في تعديل المسمى العلاقاتي، من عدو كامل إلى ثلاثة أرباع عدو، وحتى الربع الذي تغيرت تسميته لا يمكن حتى اللحظة وصفه بالصديق. وعلى قاعدة خصم ذكي خير من صديق أقل ذكاء، يقر الرئيس أوباما بضرورة القبول بدور إيران في المنطقة كقوة كبرى إقليمية إلى جانب السعودية وهو بذلك يقول إنه سيتعامل معها من هذا المنطلق كبوابة رئيسية للشرق الأوسط والخليج وسيطرق بابها متى دعت الحاجة لعلاج قضايا تحمل هي مفاتيحها.
هو الأمر عينه بالنسبة للسعودية "الحليفة". هي أيضا بوابة رئيسية للمنطقة ولا يمكن تخطيها في الملفات التي تملك اليد العليا فيها، بيد أنه هنا فصّل أكثر مما كان متوقعاً في وصفه إياها إلى جانب دول الخليج الأخرى على أنها "قوى جامحة" تتهيأ "لحضورنا واستخدام قوتنا العسكرية في مواجهة حاسمة ضد إيران، بيد أن الأمر لا يخدم المصالح الأميركية أو مصالح الدول الإقليمية" مشيراً إلى "دفع هؤلاء الولايات المتحدة للقيام بتحرك ما ثم إظهار عدم رغبة بالقيام بمسؤولياتهم."
هي أشهر قليل ويمضي أوباما في سبيله، ربما يكتب مذكراته وربما يدرّس في إحدى الجامعات وربما يعمل جاهداً للتأسيس لعودة لسدة الرئاسة بعد فاصل من الزمن، لكنه يترك بين يدي من سيخلفه، جمهورياً كان أم ديموقراطياً، عقيدة سياسة خارجية مثيرة للجدل والانتباه في آن، سيكون على حليفه الإستفادة منها إذا ما فاز الديموقراطيون، ولن يقدر خصمه على الخروج منها بسهولة إذا ما إنتصر الجمهوريون.
ولعل نوعية المرشحين عن الحزبين تقول لنا الكثير عن مفاجآت يجب أن نتحسب لها في العهد الأميركي الجديد، ربما تكون عقيدة أوباما الإنكفائية نسخة مخففة عن المرسوم في ذهن من ينتهي به المطاف في المكتب البيضاوي نهاية 2016.