بوتين في سوريا: هل حقق أهدافه؟

بوتين أفهم الجميع أنه أرسل قواته إلى هذا البلد العربي المطل على شرق المتوسط ليس لسحبها من هناك فيما بعد، وإنما ليكون لديه هناك موطئ قدم متقدم، بل صقر ترصد عيناه كل ما يجري على الأرض السورية، وعصا لمن يعصى الهدنة.

نجاح بوتين الأكبر يكمن في إقناع واشنطن بالتخلي عن الحل العسكري
قلناها في أولى الكتابات على مدونة الميادين بعد أيام على بدء العملية العسكرية للقوات الجو - فضائية الروسية في سوريا: "ليس صعباً أن تبدأ الحرب لكن الأصعب أن تنهيها في الوقت المناسب وتعلن نفسك منتصراً فيها".

فلاديمير بوتين فعلها مجدداً؛ الرئيس الروسي يسجل فوزاً جديداً في رصيد انتصاراته. صاحبُ الكرملين يأمر ببدء سحب فائض القوات من سوريا بعد أن حققت العملية العسكرية الروسية أهدافها في العموم.

رئيس المؤسسة العسكرية الروسية سيرغي شويغو يستعرض للقائد العام الأعلى للقوات المسلحة الروسية إنجازات رجالاته على مدى حوالي نصف العام  في الميدان السوري، أما عميد دبلوماسية موسكو فيؤكد لرئيسه أن الإنجازات العسكرية تجسدت في خطوات عملية على أرض الواقع  السياسي من خلال الانخراط الكبير، وإن لم يكن شاملاً، في عملية جنيف التفاوضية.

ولكن لماذا بوتين انتصر في سوريا؟ لأنه وعد بعدم التورط والتوحل في المستنقع السوري، بل حال دون أن تتحول سوريا إلى مستنقع، الإنجازات العسكرية المشتركة للقوات الروسية والجيش السوري وحلفائه، وهذا ما ذكره بوتين بالتحديد، سمحت بكسر المعادلة وقلبها لصالح الدولة السورية.

هذه الإنجازات أعادت إلى كنف الدولة حوالى 400 بلدة منتشرة على ما لا يقل عن عشرة آلاف كيلومتر مربع من المساحة السورية، مؤمنة سيطرة تامة أو شبه تامة على خمس محافظات.

لم يفت وزير الدفاع أن يلفت نظر قائده الأعلى إلى الهزيمة الكبيرة التي ألحقت بالإرهاب والأضرار الفادحة ببنيته التحتية، والمهم أن حقول النفط والغاز التي كانت تحت سيطرة داعش في محيط تدمر أصبحت بيد الجيش السوري، بل عاودت عملها بشكل طبيعي، ما يعني عودة مصادر الطاقة بكل ما لها من أهمية استراتيجية إلى إدارة دمشق.

اعتبارات النصر لموسكو تكمن أيضاً في الإعلان عن تصفية ما لا يقل عن ألفي إرهابي من أصول روسية في مواقع متقدمة بعيداً عن الأراضي الروسية، هذا ما كان بوتين يردده على الدوام لمنتقدي تدخله في سوريا على الصعيدين الداخلي والخارجي.

والنصر الأكبر للكرملين أنه أعلن الانسحاب من سوريا ليبقى فيها إلى أجل غير مسمى. بوتين أفهم الجميع أنه أرسل قواته إلى هذا البلد العربي المطل على شرق المتوسط ليس لسحبها من هناك فيما بعد، وإنما ليكون لديه هناك موطئ قدم متقدم، بل صقر ترصد عيناه كل ما يجري على الأرض السورية، وعصا لمن يعصى الهدنة.

بوتين الذي نجح في حرب الشيشان على الإرهاب ومن ثم في عملية إشاعة السلام هناك من خلال آلية المصالحات وإعادة تأهيل العصاة في الحياة الجديدة في شيشان ما بعد الحرب، لديه من الحنكة والحكمة والخبرة ما يمكن تجسيده في أرض الواقع السوري. الخطوات الأولى على هذا الطريق تؤتي أكلها.

أما النجاح البوتيني الأكبر فيكمن في إقناع واشنطن، إن لم نقل تحييدها، بالتخلي عن الحل العسكري وتنحية بشار الأسد، كذلك حملها على إرغام حلفائها على التخلي عن النهج ذاته، وإن سمعنا بين الحين والآخر تارة من الرياض وتارة أخرى من أنقرة أن الأسد سيرحل إما طوعاً أو بالقوة. المثل الروسي يقول: "يضحك أفضل من يضحك أخيراً".