إيران والسعودية: نزال في اسطنبول
بدا سؤال ظريف أقرب ما يكون بالتذكير لمن يقفون في مواجهة بلده أن التاريخ متحرك، وأن المشهد من داخل الغبار غيره عند انجلائه. صحيح أن الرسالة السعودية لإيران بقلم منظمة التعاون الإسلامي كانت قاسية، وربما قاسية جداً، لكن ظريف، المبتسم عادة، خلع عن وجهه الابتسامة مجيباً "من يضحك أخيراً يضحك كثيراً".
جاءت الرياض إلى قمة إسطنبول طالبة بوضوح موقفاً حازماً حيال طهران وحلفائها في المنطقة، هي بذلك تكون برأيها قد شدت الخناق حول رقبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خليجياً، وعربياً، والآن إسلامياً. هكذا تستطيع القول بوضوح إنها عزلت إيران عن المحيط وحيدة، إلا من قلة هم في الأساس على لائحة الإدانة. بدا التوثب السعودي لمشهد موحد في مواجهة إيران محاولة للقول إن المبادرة الدبلوماسية هي بيد المملكة بعدما بدا واضحاً أنها في المشهد الميداني في المنطقة متأخرة بعض الشيء، هذا انعكس في سوريا بالفشل في الإطاحة بحليف إيران الأول، الرئيس السوري بشار الأسد، وكذلك في اليمن في بقاء "أنصار الله"، حلفاء إيران في صنعاء وفشل الحرب رغم مرور عام عليها في إجبار عبد الملك الحوثي ومن معه على التراجع، ولم تنته اللائحة بعد.
كان حضور الملك السعودي شخصياً للتأكيد على كونه صاحب الكلمة في المعركة الدبلوماسية، وأنه شخصياً يشرف على كل تفاصيلها بعيداً من أي تكهنات. يقول مصدر دبلوماسي عربي للميادين إن ما حدث كان متوقعاً "هناك دول في منظمة التعاون الإسلامي تدعم بشكل أوتوماتيكي كل ما يصدر عن السعودية، والرياض تسيطر على الامانة العامة، وفي الاساس كانت القرارات جاهزة قبل القمة ولم يسمح لأحد في النقاش".
ويضيف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه "أن عملية التحشيد الدبلوماسية قامت على مستويات عدة. دول تشترك مع السعودية في الموقف من إيران، دول لها مصالح مع السعودية، بعضها يأخذ معونة من السعودية أو لديها مصالح اقتصادية، وطبعاً هناك علاقات شخصية مع بعض الزعماء، ربما من المفيد تذكر قضية رئيس وزراء ماليزيا".
وبحسب رواية المصدر الدبلوماسي العربي فإن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حاول التدخل وفتح نقاش حول النقاط التي تدين إيران وحزب الله، لكنه ووجه بعاصفة رفض سعودية ومن بعض الدول التي تدور في فلك المملكة. "عندما حاول ظريف فتح النقاش اعترضت السعودية ومجموعة من الدول المؤيدة لها على قاعدة أنه لا يجوز فتح مواضيع جرى الاتفاق عليها، بينما تركيا ودول أخرى بدت وكأنها لا تريد إغضاب الملك على الإطلاق".
كان المشهد بحسب المصدر أقرب ما يكون إلى عملية مداراة باسم منظمة التعاون الإسلامي التي "خطفت كما خطفت الجامعة العربية، هناك أكثر من دولة عبّرت في جلسات خاصة عن استيائها من عملية الفرض التي بدأت في مؤتمر وزراء الخارجية الذي عقد في جدة في كانون الثاني 2016".
في هذا الإطار أشار مصدر رسمي إفريقي إلى أن عملية التحشيد الدبلوماسي بدأت عند إطلاق ما عرف بالتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، والذي ضُمّ إلى صفوفه العديد من الدول الإسلامية، من ضمنها دول إفريقية إسلامية من دون معرفتها.
يقول المصدر إنه "عندما وجهت عدة دول إفريقية أسئلة إلى المملكة حول المشاركة في التحالف وطبيعته، لا سيما وأن التحديات الإرهابية متفاوتة بين دولة وأخرى، وهناك دول ليس لديها هذا التحدي على الإطلاق، والأهم أن بعض الدول ليست لديها جيوش قادرة على المشاركة في عمليات خارجية، كان جواب الجانب السعودي أن المطلوب هو إظهار حالة الوحدة في مواجهة الإرهاب، ولاحقاً رسالة شكر تتضمن هبة مالية أتحفظ على ذكر المبلغ فيها، لكنه كبير، وهذا ما حدث مع دول إفريقية أخرى". ويضيف المصدر السياسي الإفريقي "النتيجة كانت أن ما من أحد بعد هذه الهبة سيقول لا للسعودية مهما طلبت في أي مناسبة كانت".
لم تستطع الميادين أخذ تعليق من الجانب الإيراني حول ما حدث في اسطنبول، لكن الأخبار المتواترة تحدثت عن مغادرة الرئيس الإيراني والوفد المرافق القمة قبل تلاوة البيان تنديداً بما جاء فيه، وتحديداً البنود والإجراءات المعادية لإيران. الموقف الإيراني الوحيد كان ما نقل عن وزير الخارجية محمد جواد ظريف خلال القمة والذي قال فيه إن "مسودة إعلان القمة تتعارض مع روح التضامن الإسلامي وتصب في مصلحة إسرائيل. ظريف تخلى عن دبلوماسيته المعهودة مذكراً بزمن الحرب العراقية الإيرانية قائلاً "في تلك الفترة بادر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز إلى إقرار بنود معادية لإيران بدعم من بعض دول المنطقة، لكننا لم نعر أي اهتمام لمثل هذه التوجهات المعادية. يجب استخلاص العبر من الماضي؛ انظروا أين طارق عزيز اليوم".
بدا سؤال ظريف أقرب ما يكون بالتذكير لمن يقفون في مواجهة بلده أن التاريخ متحرك، وأن المشهد من داخل الغبار غيره عند انجلائه. صحيح أن الرسالة السعودية لإيران بقلم منظمة التعاون الإسلامي كانت قاسية، وربما قاسية جداً، لكن ظريف، المبتسم عادة، خلع عن وجهه الابتسامة مجيباً "من يضحك أخيراً يضحك كثيراً".