هل يُزهر ورد الجولان؟

قضم نتنياهو من تفاح الجولان كما فعل أعضاء حكومته، قالوا كلمتهم ومضوا، فهم من وجهة نظرهم قاموا بكل ما يجب أن يقوموا به، لكنهم نسوا تفصيلاً مهماً جداً. قبل أشهر قليلة فقط إغتالت طائرات إسرائيلية عميد الأسرى العرب الشهيد سمير القنطار وعدداً من رفاقه بالقرب من العاصمة السورية دمشق. كان القنطار ورفاقه يعملون منذ مدة على زراعة بذور الجوري في الجولان، فهل تزهر عما قريب؟

كانت كلما نبتت وردة في الجولان قطعت واجتثت من جذورها
وكأن شيئاً لم يكن، تماماً كما أصبحت كل مصائبنا. حتى صوت الرفض جاء ضعيفاً، لم يبق في الصوت صوتٌ يكفي للصراخ، للمقاومة، للبكاء، أقصى ما كان بالإمكان نحيب هزيل وكلمات عزاء من صنف "جعلها الله خاتمة الأحزان". هكذا، على الملأ، دون وجل أو خجل، وضع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو إصبعه في عين جيرانه، جاراً جاراً، عدواً عدواً، صديقاً صديقاً، قائلاً: هذا الجولان لي وذاك الإصبع لكم.

سارعت إسرائيل لأخذ حصتها من سوريا المفككة، لتزوير صك الملكية مجدداً لأرض عربية سورية لا تغيّر الصكوك المزورة هويتها. بدا نتنياهو واثقاً من أنه جاء في الوقت المناسب، حيث الكل في سوريا منشغل في مصيبته، والكل في محيط سوريا منشغل في صراعاته، والكل في عالم القرار الدولي غير آبه بقطعة أرض جديدة تقتطع بسكين مسموم، طالما أن هذه الأرض في نهاية المطاف ستكون من نصيب طفل الكون المدلل، إسرائيل. قبل سنوات في ظروف تشبه ظروف اليوم، مع الكثير من التكرار المقيت، إحتلت إسرائيل لبنان على دفعات، كان في البلاد حينها من صفّق واحتفل بدخول المحتل، وكان من رفع السلاح مقاوماً، باسم الوطن، واسم الله، واسم الأممية، واسم القومية، بكل إسم كان، رُفعت في وجه المحتل بندقية لا كاتم للصوت فيها، تُسمعُ من به صممُ صوت الرفض ناراً وباروداً. كان الموت هواية الشبان في عمر العشرين، يتسابقون إليه ويسابقهم، يتبارون مع الورد الجوري الأحمر أيهما أحمره أقنى، دمهم أم لونه؟ لم يطل السباق كثيراً حتى دُحرت إسرائيل، ويوم أعادت الكرة كان بانتظارها من لم تنس طعم بارودهم.

لم ينبت الجوري في الجولان كثيراً، وكلما نبتت منه وردة قطعت، إجتثت من جذورها، طُحنت أوراقها. هكذا كان الحال لسنين، وإسرائيل تدري حقاً أنها حيثما لا ينبت الجوري بأمان، هكذا زرعت ما حلا لها من زهور، وبنت على الأرض المحتلة مستوطناتها ولامست الغمام وهي تظن أنها في الجولان باقية ما بقي الدهر. لذا لم يكن غريباً أن يحمل نتنياهو أفراد حكومته إلى هناك ليقول للعالم إنه لا يخشى أحداً وأن أمنه القومي يسمح بعد اليوم بفتح الباب مجدداً على الأحلام القديمة، والحذر كل الحذر عندما تحلم إسرائيل.

عندما تحلم إسرائيل يعني ذلك أن أمنها القومي بخير وأن ما من تهديد حقيقي يقاربه، باختصار تحلم وهي مستلقية على حرير. تحلم إسرائيل عندما تطمئن كل اطمئنان إلى أنها في منطقة يعاد رسم خرائطها، بما أضحى أمراً واقعاً لا يمكن لأحد تخطيه، وثابتة من الثوابت هذا إذا لم تكن من الثوابت القليلة، فيما الآخرون عرضة للقطع والوصل والترتيب. تتصرف دولة الاحتلال بما يمليه عليها اطمئنانها وهي ترى أن من سابق الموت في لبنان وفلسطين ومن كبر مع الجوري هناك أصبح إما على لوائح الإرهاب العربية أو محاصراً ممنوعاً من الماء والهواء، لا السلاح فقط. كانت السنوات القليلة الأخيرة أفضل سنوات دولة الإحتلال وهي ترى ما لم تحلم به يحدث دون أن تطلق رصاصة واحدة. 

عندما تصبح المقاومة إرهاباً يصبح التراب رخيصاً، رخيصاً إلى درجة أن تجابه خطوة نتنياهو بكلام، أي كلام، تماماً كالكلام الذي جوبه به احتلال الجنوب قبل عقود. قضم نتنياهو من تفاح الجولان كما فعل أعضاء حكومته، قالوا كلمتهم ومضوا، فهم من وجهة نظرهم قاموا بكل ما يجب أن يقوموا به، لكنهم نسوا تفصيلاً مهماً جداً. قبل أشهر قليلة فقط إغتالت طائرات إسرائيلة عميد الأسرى العرب الشهيد سمير القنطار وعدداً من رفاقه بالقرب من العاصمة السورية دمشق. كان القنطار ورفاقه يعملون منذ مدة على زراعة بذور الجوري في الجولان، فهل تزهر عما قريب؟